
ضربة قلم
مدينة زناتة البيئية تقع بتراب جماعة عين حرودة بين الدار البيضاء والرباط، وتمتد على مساحة 1830 هكتارًا مع واجهة بحرية تتجاوز 5 كيلومترات. أُعلن عن المشروع عام 2013، ويهدف إلى توفير 100,000 فرصة عمل واستيعاب 300,000 نسمة باستثمار قدره 21 مليار درهم، وفقًا لمعايير التنمية المستدامة.
تواصل شركة تهيئة زناتة، التابعة لصندوق الإيداع والتدبير، تطوير البنية التحتية، حيث تم ربط المنطقة التنموية الأولى (PZD) بالمياه والكهرباء والصرف الصحي، وإنشاء مجمع صرف صحي بطول 3.5 كيلومتر. كما أنجزت الشركة تقاطعًا للطرق السريعة منذ 2015، وطورت الطرق الحضرية الأولى بالقرب من “إيكيا” والمنطقة السكنية الأولى.
في 2018، تم إعادة تأهيل الطريق الساحلي ورفعه بمقدار 2.5 متر مع تحسين مواقف السيارات وزراعة الأشجار. كما أُنشئ الطريق الغربي لربط شمال المدينة بجنوبها عبر مسارات مزدوجة ومسارات للدراجات. أما المنطقة الجنوبية، التي تُعد المركز الاقتصادي للمدينة، فقد استلمتها الشركة في مارس 2021، وتضم في برنامجها مركزًا صحيًا متكاملًا، قطبًا جامعيًا دوليًا، مركز تسوق، ومنطقة أعمال ذات قيمة مضافة عالية.
رغم الطابع الطموح لمشروع مدينة زناتة البيئية، عاشت العديد من الأسر المعنية بإعادة الإيواء حالة من التوتر بسبب ما اعتبره عروضًا غير عادلة من طرف شركة التهيئة زناتة (لا ساز). حيث برزت عدة إشكالات، منها عدم مواكبة الأسر المرحلة، وحرمان بعض المستحقين من الاستفادة، مقابل استفادة غير مستحقين، إضافةً إلى دمج عدة أسر في بقع واحدة رغم توفر العقارات.
في ظل هذه التجاوزات، يظل التساؤل مطروحًا حول مدى التزام الشركة بالمعايير الوطنية والدولية التي تعهدت بها، خصوصًا فيما يتعلق بضمان تعويض عادل، توفير سكن لائق، ومراعاة الفئات الهشة، وفقًا لمعايير البنك الأوروبي للاستثمار والبنك الدولي.
ورغم وعود الشركة بتطبيق دفتر التحملات بكل شفافية ونزاهة، إلا أن عمليات بيع البقع المخصصة لصغار المنعشين العقاريين، والتي تتراوح مساحتها ما بين 250 و500 متر مربع، أضحت تشهد ممارسات تثير الكثير من التساؤلات. فقد انتشرت أخبار تفيد بأن بعض كبار المسؤولين داخل المشروع أصبحوا فاعلين رئيسيين في هذه العمليات، حيث يتم تفضيل أطراف محددة على حساب أخرى، مما يعكس وجود شبهات حول مدى نزاهة هذه المعاملات.
الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل أصبحت بعض المكاتب الإدارية داخل المشروع تتحول إلى فضاءات للسمسرة غير المعلنة، حيث يتم التفاوض على الأسعار والامتيازات بعيدًا عن أعين الرقابة، مما يضع مصداقية المشروع أمام تحديات كبيرة. وفي الوقت الذي ينتظر فيه المواطنون أن تتحقق العدالة في توزيع هذه العقارات، نجد أن فئة قليلة تستفيد على حساب الأكثر استحقاقًا.
هذه التجاوزات التي تواكب عمليات البيع تضع الجهات الوصية أمام مسؤولية كبيرة للتدخل العاجل، من أجل وقف أي انحراف قد يضر بسمعة المشروع ككل، خصوصًا ونحن على أعتاب إطلاق الجزئين الخامس والسادس. فهل ستتمكن الجهات المعنية من فرض الشفافية وضمان تكافؤ الفرص، أم أن المشروع سيسير نحو تكريس منطق الامتيازات الخاصة بدل تحقيق الأهداف التنموية المرجوة؟
إن مشروع مدينة زناتة البيئية يحمل في جوهره وعودًا تنموية كبرى، لكنه يواجه اليوم اختبارًا حقيقيًا لنزاهته وشفافيته. فإما أن يكون نموذجًا حضريًا يحتذى به، أو أن يصبح شاهدًا على تغلغل المصالح الضيقة في مشاريع يفترض أن تخدم الصالح العام. وبينما يترقب المواطنون تحركًا حازمًا من الجهات الوصية، يبقى السؤال معلقًا: هل سينتصر منطق العدل والشفافية، أم ستستمر لعبة الامتيازات في الخفاء؟
وفي هذا السياق، تبرز ضرورة تشديد الرقابة من قبل عمالة المحمدية وجماعة عين حرودة على عمليات البناء داخل المشروع، خصوصًا في ظل الاهتمام المتزايد لمفتشي وزارة الداخلية بملف التعمير. فالتجاوزات المسجلة، سواء في توزيع العقارات أو في تنفيذ الأشغال، قد تؤدي إلى تعقيدات قانونية وإدارية تهدد بنية المشروع وتضعه على المحك. لذلك، فإن فرض رقابة صارمة وضمان احترام القوانين المنظمة للبناء والتعمير، سيشكلان عاملاً حاسمًا في إنجاح هذا الورش الطموح وتحقيق أهدافه المعلنة.