مذكرة تفاهم مع الغاز: من السخان القاتل إلى التصفيق الدبلوماسي

ضربة قلم
تخيّل معي هذا المشهد الغريب من مسرحية العلاقات المغربية الصينية: خطرٌ يُسوَّق لك على أنه فرصة، كارثة تُقدَّم لك على طبق من الاتفاقيات، وموتٌ بالاختناق يُعاد تغليفه بكل برود في شيء يُسمّى “مذكرة تفاهم”.
حينها، اجتمعت الأقلام والميكروفونات، من الصحف الورقية التي كانت لا تزال تُوزَّع على أرصفة البقالة إلى قناة الدوزيم التي تتقن فن التحول مثل الحرباء. الحملة كانت على أشدّها: صور لحمامات تحوّلت إلى مسارح لجريمة الغازات، مقابلات مع أسر مكلومة، تصريحات رسمية تنذر وتتوعد وتتباهى بأنها “لن تسمح بعد اليوم بتكرار المأساة”، وتحليلات تقرن سخان الغاز بروايات الرعب. بدا وكأن الدولة قررت أخيرًا أن تضع حدًا لهذا “الاحتلال الحراري الصيني”، الذي تسلل إلى البيوت دون جمارك للضمير أو معايير للجودة.
ثم، وكأن السيناريو كتبته نفس الجهة التي تكتب نصوص النشرات الجوية المطمئنة وسط الجفاف، وصل وفد صيني “رفيع المستوى”. استُقبل استقبال الفاتحين، وفُتحت له أبواب الرباط أكثر مما تُفتح أبواب المستشفيات أمام ضحايا السخانات. فجأة، لم تعد المشكلة في السخانات بل في سوء الاستخدام. لم نعد ضحايا منتوجات مغشوشة بل مذنبين لا نقرأ كتيبات الاستعمال. القناة نفسها التي كانت تستنكر بصوت حزين، صارت تُغطي التوقيع على مذكرة تفاهم بـ”نبرة مستقبلية”. لقد دخلنا عصر “الشراكة في حماية المستهلك”، وكأن الأمر لا يتعلق بإنقاذ أرواح بل بتبادل بارد للمصالح.
منذ ذلك الحين، لم نسمع لا عن المذكرة، ولا عن الوفد، ولا عن نتائج “التعاون الثنائي في حماية المستهلك”، وكأن الملف قد وُضع في نفس الدرج الذي تحفظ فيه الدولة تقارير المجالس العليا التي لا يُفتح غلافها إلا في المناسبات الرسمية. اختفت الحملة، توقفت الندوات، وعادت السخانات إلى دكاكين الأحياء الشعبية دون حسيب أو رقيب، باستثناء شرط أن تكون العلبة عليها صورة “جبل ثلجي” لإيهام المستهلك بجودة أوروبية.
هكذا تنتهي الحكايات عندنا: ضجة، مأساة، وفد، توقيع، ثم اتفاقيات الكواليس، فصمت… وكأن الغازات السامة لم تكن سوى سحابة صيف دبلوماسية، مرّت وتركت وراءها ما لا يُرى ولا يُناقش.