فن وثقافة

مرآة العروش: نص القصيدة ونقدها

ضربة قلم

يسعدنا أن نستضيف في ركن “فن وثقافة” من “ضربة قلم”، صديقنا الكريم محمد كزاوي، كاتب الرأي الذي اعتدنا منه تناول مواضيع الساعة بجرأة تحليلية، لا سيما في الشأن الاقتصادي، حيث يزاوج بين العمق والرؤية النقدية. واليوم، يفاجئنا بنص شعري يحمل عنوان “مرآة العروش”، قصيدة تقف عند مفترق الطرق بين السياسة والإنسان، وتُجسّد بلغة رمزية بليغة مأساة العالم المعاصر وسط صراع القوى الكبرى، وهموم الإنسان المجهول.

نترككم مع نص القصيدة، يليه تحليل نقدي يتوقف عند أبرز دلالاتها الرمزية والفلسفية.

نص القصيدة: «مرآة العروش»

في زمنٍ معلقٍ بين غيمةٍ وخنجر،
لا يدري التاريخ: يمضي أم يتراجع؟
جلستُ، لا أرسم لوحة،
بل أخلع جلدي لأكتب.

ثلاثةُ وجوهٍ تحدّقُ في الصفحة:
وجهٌ بنسرٍ ينقر الصمت،
ووجهٌ بدبٍّ يعجن الثلج بالغضب،
ووجهٌ بتنينٍ… يتلو الوصايا على بُخار البارود.

كلُّ منهم يحمل بيمناه رايةً تقول:
“نحن ننقذ العالم!”
وفي يسراه سلاحٌ لا يتكلم، لكنه يفهم:
“الإنقاذ يبدأ من تحت الركام.”

وفي القلب، كنتُ أنا،
لا، كنتَ أنت،
كنت أختي، أمي، جاري،
الطفل الذي لم يولد،
كنا جميعًا: الإنسانية بلا بطاقة.

نرتجف، ننظر للأعلى فلا نرى،
إلا مرآةً لا تعكس وجوههم،
بل قلوبهم،
قلوبٌ من فولاذٍ وحزن،
من قرارٍ وتردّد،
من حبٍّ للوطن،
وخوفٍ من التاريخ.

تسقط حمامةٌ على كتفي،
لا ميّتة، ولا حيّة،
تشهق وتقول:

“احذر يا إنسان…”
من سلامٍ يُرفع كراية،
لكنه يُدار كصفقة.”

وفي زاوية اللوحة،
طفلٌ لا يعرف الرسم،
رسم دائرةً،
وفي داخلها كلمة واحدة:

“كفى.”

أغمضتُ عيني،
ورأيتُ رسائل كثيرة،
خُطّت من شعوبٍ بلا أقمار صناعية،
لكنها تملك:
أبًا ينتظر الخبز، وأمًّا تنتظر خبرًا.

ورأيتُ الزعماء —
نعم، كلهم —
يحملون في جيوبهم صورة أبنائهم،
وصية أمهاتهم،
وقسمًا لا يعلنه أحد:

“سأحميهم… ولو صار وجهي قاسيًا.”

حينها فهمت:

مكرهون؟ نعم.
أشرار؟ لا.
لكن الإنسانية… لا يجب أن تُدهس باسم النجاة.
فمددتُ يدي،
لا كاتهام،
بل كرجاء يرتجف في وجه الأقوياء،

وكتبت على أسفل اللوحة:

“مكرهٌ أخوكَ لا بطل،
لكنّي لستُ من يُهان باسمه.”

ووقّعت في قلب القصيدة، لا أسفلها:

“بل انقشها في قلبك،
لا في لوح من حجر،
بل حيث يسكن الإنسان في الإنسان،
بلا حدود… بلا أعلام… بلا خوف.”

محمد كزاوي
كل حقوقي محفوظة

نقد وتحليل القصيدة

1. رموز القصيدة ودلالاتها

ثلاثة الوجوه (النسر، الدب، التنين): ترمز إلى قوى كبرى ذات نفوذ عالمي (يمكن تفسيرها كرموز للولايات المتحدة، روسيا، الصين أو رموز القوة السياسية والعسكرية). تعكس صراعات وتأثيرات عالمية على الشعوب.

الحمامة “لا ميّتة ولا حيّة”: رمز للسلام المزيف أو المتلاعب به. ليست ميتة، فهي لا تموت الأمل، لكنها ليست حيّة بالمعنى الحقيقي، في إشارة إلى سلام يستخدم كأداة سياسية وليست حقيقية.

“الإنسانية بلا بطاقة”: تعبير عن فقدان الهوية

الإنسانية بلا بطاقة”: تعبير عن فقدان الهوية والحقوق في عالم سياسي قاسٍ، حيث يكون الإنسان مهمشًا ومستبعدًا من اللعبة الكبرى.

المرآة التي لا تعكس الوجوه بل القلوب: تعكس نقداً لزعماء العالم الذين يبدون بمظهر معين، لكن دواخلهم مليئة بالصلابة والحزن والتردد، وهذا يعبر عن تناقضات السياسة العالمية.

2. قراءة فلسفية واجتماعية

القصيدة تعكس حالة مأساوية لعالم معلق بين السلام والحرب، بين الأمل واليأس. تتناول موقف الإنسان العادي المحاصر بين هذه القوى العظمى، مشاعر الخوف والحزن، والحاجة إلى حفظ الإنسانية في وسط الفوضى.

3. مفهوم القوة وأسلوبها

القوى الكبرى تقدم نفسها كمنقذة، لكنها تستخدم القوة كوسيلة للسيطرة، مما يخلق تناقضًا بين المظهر الحقيقي والظاهر. استخدام السلاح “الذي لا يتكلم لكنه يفهم” هو تجسيد لقوة لا تحتاج إلى كلمات، قوة القمع والهيمنة.

4. الحزن والدفاع عن الأهل

القصيدة لا تتهم القادة بأنهم شريرون أصلاً، بل ترى أنهم “مكرهون” و”مضطرون” لأنهم في موقع المسؤولية، ويدافعون عن أسرهم وأوطانهم في ظروف معقدة. لكنها تحذر من أن الإنسان لا ينبغي أن يُداس باسم النجاة أو السلطة.

5. العبارة المحورية “مكره أخوك لا بطل”

تُظهر تفهماً إنسانياً عميقًا لموقع القادة، مع رفض تبرير الظلم أو الاعتداء باسم الحاجة إلى القوة. تحث على رفض استغلال السلطة لإهانة الإنسان أو قهره.

الحكم الختامي

القصيدة عمل إنساني عميق يعبّر عن التوترات السياسية العالمية من منظور إنساني، تبرز مأساة الإنسان العادي وسط هذه الصراعات. تستخدم رموزًا قوية تجمع بين القوة والعنف والأمل والإنسانية. وهي دعوة لفهم الظروف المعقدة وعدم تبسيط الأحكام على الآخرين، مع الحفاظ على كرامة الإنسان وحقوقه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.