سياسة

معركة الأمانة العامة داخل حزب العدالة والتنمية: عودة التنافس بين الأجنحة وسط تحديات مصيرية

ضربة قلم

في أجواء مشحونة بالتوترات الداخلية والرهانات الوجودية، أعلنت رئاسة المؤتمر الوطني السابع لحزب العدالة والتنمية، المنعقد بمدينة بوزنيقة، عن اللائحة الأولية للمرشحين لمنصب الأمين العام للحزب، لتكشف الأرقام عن واقع سياسي يترنح بين إرادة التجديد وشبح الزعامات التاريخية.

وقد جاءت نتائج التصويت الأولي على الشكل التالي:

  • عبد الإله ابن كيران: 163 صوتاً
  • إدريس الأزمي الإدريسي: 160 صوتاً
  • عبد العزيز العمري: 111 صوتاً
  • عبد الله بووانو: 94 صوتاً
  • عبد العالي حامي الدين: 31 صوتاً
  • جامع المعتصم: 30 صوتاً

لكن سرعان ما تغير المشهد بعد إعلان كل من عبد العزيز العمري، وعبد العالي حامي الدين، وجامع المعتصم انسحابهم من سباق الأمانة العامة، مما جعل المنافسة تحتدم بين ثلاث شخصيات محورية:
عبد الإله ابن كيران، الزعيم التاريخي والمثير للجدل،
إدريس الأزمي الإدريسي، رجل المؤسسات والمنهجية،
عبد الله بووانو، البرلماني المخضرم ورئيس المجموعة النيابية للحزب.

خلفية المشهد:

حزب العدالة والتنمية يعيش مرحلة غير مسبوقة من الارتباك بعد الهزيمة القاسية في الانتخابات التشريعية الأخيرة، التي فقد فيها الحزب معظم مقاعده، لينتقل من قيادة الحكومة إلى هامش المعارضة البرلمانية. هذه الهزيمة لم تكن مجرد خسارة انتخابية، بل كانت زلزالاً أطاح بهالة الحزب كـ”حزب نزيه ومختلف”، وكشف عن حجم التآكل الداخلي والانفصال عن القواعد الشعبية.

وفي ظل هذا الوضع، بات واضحاً أن المعركة على الأمانة العامة ليست مجرد صراع شخصيات، بل صراع رؤى:

  • هل سيواصل الحزب الرهان على الزعامات الكاريزمية التي تستطيع تحريك الشارع وإعادة شحن القواعد؟
  • أم أنه سيختار التوجه نحو قيادة تكنوقراطية أكثر تحفظاً، تسعى لترميم الصف الداخلي بصمت واستعادة جزء من مصداقيته المفقودة؟

تحليل المترشحين:

عبد الإله ابن كيران:
رئيس الحكومة السابق وزعيم الحزب الأسبق، يتمتع بشعبية واسعة داخل القواعد، ويُنظر إليه كرجل مرحلة إذا تعلق الأمر بإعادة الحزب إلى دائرة الضوء. خطابه البسيط، وقدرته على مخاطبة “القلب” المغربي الشعبي، وامتلاكه لكاريزما فريدة تجعل منه المرشح الأوفر حظاً.
ومع ذلك، فإن ابن كيران يبقى شخصية مثيرة للجدل، حيث يرى فيه خصومه رمزاً للخطاب الشعبوي، ومصدراً محتملاً لتفاقم الخلافات مع المؤسسات الكبرى في البلاد إذا عاد لقيادة الحزب.

إدريس الأزمي الإدريسي:
الرئيس الحالي للمجلس الوطني للحزب وعمدة فاس السابق، يحظى باحترام داخل التيار التنظيمي للحزب. يُعرف عنه صرامته في تدبير الأمور وإيمانه بالمساطر الداخلية، لكنه يفتقر إلى الكاريزما الجماهيرية التي يتمتع بها ابن كيران.
ترشيحه يمثل رغبة جزء من قواعد الحزب في القطع مع “الزعامات الفردانية”، واعتماد قيادة جماعية تركز على العمل المؤسساتي والعودة التدريجية إلى المشهد السياسي.

عبد الله بووانو:
رئيس الفريق البرلماني للحزب، الذي أبدى خلال السنوات الأخيرة مرونة كبيرة في التعامل مع مختلف الفاعلين السياسيين. يوصف بأنه “الابن المطيع” للخط الحزبي الرسمي، دون أن يمتلك البريق الكافي الذي يضمن للحزب استعادة هيبته المفقودة.

رمزية الانسحابات:

انسحاب كل من عبد العزيز العمري، وعبد العالي حامي الدين، وجامع المعتصم من السباق له دلالات قوية:

  • الوعي بحجم الأزمة: يدرك المنسحبون أن تشتيت الأصوات في هذه المرحلة الحساسة قد يؤدي إلى تفجير الحزب من الداخل.
  • رسالة وحدة: بانسحابهم، يبعثون برسالة مفادها أن الحزب بحاجة إلى قرار سريع وواضح يعيد ترتيب بيته الداخلي دون معارك هامشية.
  • اختيار بين شخصيتين أساسيتين: انسحابهم يعني أن الخيار أصبح محصوراً فعلياً بين خطين متناقضين: خط ابن كيران الكاريزمي، وخط الأزمي المؤسساتي، مع احتمال ضعيف لبروز بووانو كمرشح تسوية.

السياق السياسي الأوسع:

اختيار الأمين العام الجديد لا يهم فقط قواعد العدالة والتنمية، بل يشكل مؤشراً للفاعلين السياسيين والمؤسسات الرسمية على نوعية الحزب الذي سيكون موجوداً في الساحة خلال السنوات القادمة:

  • هل سيعود الحزب كمعارض شرس قد يربك المشهد السياسي؟
  • أم سيكتفي بدور رمزي، يحافظ على وجوده شكلياً دون تهديد التوازنات الحالية؟

وفي ظل هذه المعطيات، تبدو الكفة راجحة نحو عودة عبد الإله ابن كيران إلى القيادة، في خطوة تعبر عن تمسك جزء كبير من القواعد بـ”الحنين إلى الماضي الذهبي”، رغم المخاطر المرتبطة بهذه العودة، خاصة في ظل تحديات اقتصادية واجتماعية خانقة تمر بها البلاد، قد تجعل من أي خطاب تصعيدي سلاحاً ذا حدين.

في الخلاصة:

السباق نحو الأمانة العامة داخل حزب العدالة والتنمية هو أكثر من مجرد تنافس انتخابي داخلي. إنه معركة من أجل هوية الحزب، من أجل مستقبله السياسي، ومن أجل موقعه في الخريطة الحزبية المغربية.
فهل يعود الحزب إلى واجهة الصراع السياسي بوجه مألوف هو عبد الإله ابن كيران؟ أم يختار إعادة بناء نفسه بهدوء تحت قيادة إدريس الأزمي الإدريسي أو عبد الله بووانو؟
الجواب لن يؤثر فقط على مصير العدالة والتنمية، بل على كامل توازنات المشهد السياسي المغربي في السنوات القادمة.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.