مغرب الانتظار: هنا نصبر، هناك ننتظر، وفي كل مكان نحكي الحكاية

ضربة قلم
إذا أردت أن ترى المغرب في مرآة صافية، لا تحتاج لكثير من الفلسفة. يكفي أن تمر صباحًا قرب إحدى المحاكم، أو تجلس في زاوية مقهى مطلّ على المحكمة الزجرية لعين السبع، وستكتشف أن الوطن ليس فقط جغرافيا، بل طابور طويل من المتقاضين والمرافقين، من وجوه مضغوطة بالصبر أو بالغضب، أو فقط بالحيرة.
في هذه الفضاءات، يتحدث الناس بصوت نصف خافت، ونصف متآمر، عن “الملف اللي مازال ما تفتح”، و”المحامي اللي ما جا”، و”القاضي اللي تبدل”، و”الشيك اللي رجع”… أما المحامون، فهم في عالم آخر: قهوة سوداء، نبرة صارمة، وبعض الغمزات المهنية التي لا تخطئها العين.
لكن المحكمة ليست الوحيدة.
في السجون…
العدالة تلبس البدلة الرمادية. فيها البريء يبحث عن دليل، والمذنب عن تأويل. وفي الزنازن، كل الملفات متشابهة: “ظروف اجتماعية”، “سوء تفاهم قانوني”، أو فقط “نقطة نظام فاتت في الحياة”.
في محطات القطار…
هناك تكتشف أن الانتظار فلسفة وطنية. صوت المذيعة المصطنعة يُعلن عن التأخير ببرود، وكأننا لسنا في سباق مع الزمن. الوجوه تنتظر، تهمس، وتتنهد. طفل يبحث عن نافذة، وأم تبحث عن مقعد، وعجوز يحمل في جيبه كل صبر المغرب.
في المطارات…
الكل أنيق لكن متوتر. الحقائب ممتلئة، تمامًا كالعواطف. بين التفتيش، والبوابات، والمراقبة، يحسّ المواطن أحيانًا أنه لا يسافر بل يُفتَّش عن أسباب وجوده.
في الملاعب…
الدراما تأخذ شكلاً بصريًا. هزيمة فريق تتحول إلى نكبة وطنية، والانتصار يُعلَن عنه كما يُعلَن عن تحرير مدينة! هنا، الجمهور ليس فقط متفرجًا، بل محللًا، خبيرًا، ومؤرخًا رياضيًا من الطراز الرفيع.
في المستشفى…
المرضى ينتظرون، والأطباء يعتذرون، والتمريض يحاول أن يكون بشرًا في منظومة أقرب إلى العدم. الكل يدور في حلقة اسمها “الصبر والدواء”… غالبًا الصبر فقط.
في دار الضريبة…
الوجوه تتجهم. الملف ناقص، التوصيل ضاع، والموظف يحتاج “إذن من رئيسه” الذي “خرج” منذ الصباح. الكل يسأل الكل، والجواب واحد: “غادي تجي واحد النهار وتهنى.”
في وكالات الماء والكهرباء…
الفاتورة دائمًا أكثر مما توقعت. الطوابير لا تنتهي. الزبائن يتهامسون: “هاد الما واش فيه الذهب؟”، والجواب في العيون: “خلص وسكت، راك عايش فالمغرب.”
خلاصة الوجع
نحن شعب ننتظر.
ننتظر القطار، وننتظر الجواب، وننتظر الحكم، وننتظر الطبيب، وننتظر تخفيض الفاتورة، وننتظر المنتخب الوطني يفوز…
وفي انتظار الفرج، نحكي الحكايات، ونتبادل النكت، ونصنع من الانتظار ثقافتنا اليومية.
فهل نحن شعب صبور؟ أم أننا فقط اعتدنا العيش في طابور؟