مجتمع

مكاتب حفظ الصحة.. “الصمت الذهبي” مقابل صحة المواطن!

ضربة قلم

لم تعد مكاتب حفظ الصحة ومصالح الرقابة الصحية سوى كيانات شبحية، تحضر في التقارير الورقية وتغيب في الواقع، حيث المواطن المغربي يتجرع يوميًا سموم الإهمال والفساد. هؤلاء الذين من المفترض أن يكونوا العين الساهرة على سلامة الطعام الذي يدخل إلى أفواهنا، صاروا مجرد متواطئين في جريمة تسميم بطيء للناس، تحت غطاء من المحاضر الصورية والحملات الموسمية التي لا تعدو كونها مسرحيات هزلية.

الجهة المسؤولة عن التفتيش غائبة تمامًا، لكنها تختار الظهور في توقيت غريب: تداهم محلات الجزارة بعد أن يستهلك الناس نصف الخروف الفاسد، وتبدأ في تفتيش محلات الأكل السريع بعد أن يصاب العشرات بالإسهال الجماعي، وتقوم بإتلاف الدجاج الميت بعد أن يكون قد تحول إلى شاورما شهية فوق الفحم! أليس هذا أسلوبًا عبقريًا في التدخل الاستباقي؟ بل إنه منتهى الدهاء، أن تكون الرقابة الصحية مجرد متفرج يتدخل عندما تصبح معدة المواطن مقبرة جماعية للميكروبات والسموم!

ما يحدث ليس إهمالًا عاديًا، بل خيانة موصوفة، مؤسسات تتحصن خلف شعارات جوفاء، فيما تُترك الأسواق والمطاعم والمجازر والمخابز مرتعًا لمن يدفع أكثر، حيث المعايير الصحية مجرد كذبة يتداولها مسؤولو حفظ الصحة أثناء احتساء قهوتهم الصباحية. المواطن المغربي ليس سوى “فأر تجارب” في مختبر الفوضى الغذائية، يأكل ثم يكتشف لاحقًا – على سرير المستشفى أو في قسم المستعجلات – أنه وقع ضحية وجبة فاسدة، بيعت له تحت أعين “المراقبين” الذين لا يراقبون سوى أموال المرتشين.

مكاتب حفظ الصحة لا تتحرك إلا عندما تصبح الكارثة فضيحة إعلامية، وحينها يخرج المسؤولون ببيانات جوفاء عن “المراقبة الدورية”، وكأننا في دولة تسيرها الروبوتات، وليس حفنة من البشر الذين يعرفون جيدًا أن جيوبهم المنتفخة مصدرها فساد موثق في الأمعاء المثقوبة للمواطنين. لم نعد نحتاج فقط إلى مراقبة جودة الطعام، بل إلى مراقبة من يُفترض أنهم يحرسون صحتنا، لأنهم باعوا المهمة، واستبدلوا ضميرهم بسجلات للرشاوى، وصاروا هم أنفسهم خطرًا على الصحة العامة.

لن ننتظر حتى تتحرك هذه الأشباح البيروقراطية، ولن نقبل بأن نكون ضحايا تواطؤ مفضوح بين الفاسدين ومن يفترض أنهم رقباء. إن كانت هذه المكاتب لا ترى ولا تسمع إلا ما يناسب مصالحها، فعلى الشعب أن يجعل صوته مسموعًا، وأن يطالب بمحاسبة حقيقية لمن باعوا صحة الناس مقابل دراهم معدودة. انتهى زمن الصمت، ولم يعد السكوت ممكنًا في مواجهة موت بطيء يُباع لنا في الأسواق والمطاعم، تحت أعين من يقتسمون المداخيل في الظل!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.