ملاعب وقطار فائق السرعة والبلاد بلا مراحيض: مغرب الأولويات المقلوبة!

ضربة قلم
الملاحظ في بلادنا أن الدولة – بحكمتها التي لا تشكّ فيها – تجندت بكل قوتها وطاقتها، قلبًا وقالبًا، في مشاريع كبرى تُسجل في كتب الإنجازات الوطنية. ملاعب كرة القدم تقام في كل ركن وزاوية، لتكون أشبه بقلعة لكل شاب طموح، وكأن الكرة وحدها قادرة على حل مشاكل البطالة والتعليم والصحة في آن واحد. وفي الوقت نفسه، تسارع السلطات إلى فتح الطريق أمام القطار فائق السرعة، هذا الوحش الحديدي الذي يقطع البلاد من الشمال إلى الجنوب، وكأنه يريد أن يقول للعالم: “نحن هنا، وحدنا نعرف السرعة والحداثة!”
لا ننسى بالطبع ما يتعلق بنزع الملكية هنا وهناك، وتفكيك عقارات وإخراج سكان من مساكنهم تحت ذريعة مشاريع تنموية أو “خدمة الصالح العام”. كل هذا يحدث بينما المسؤولون، سواء المنتخبون أو الإداريون، يبدون مشغولين للغاية بما يُسمى المشاريع الكبرى، ويغفلون شيئًا بسيطًا جدًا، لا يكلف الكثير، لكنه يظل حاجة أساسية لكل مواطن: المراحيض العمومية.
نعم، تلك المرافق التي يمر عليها المواطن يوميًا، والتي تُشكل جزءًا من الكرامة الأساسية للإنسان، والتي نجدها في كل بلاد متقدمة، هي هنا أشبه بالكنز المفقود. في المدن والمناطق المغربية، يمكن أن تجد شوارع رائعة وأرصفة مضاءة، وجسورًا معلقة، وملاعب ضخمة، ولكنك غالبًا ستجد نفسك تتساءل: أين يمكنني أن ألجأ لتلبية أبسط حاجات حياتي اليومية؟
المثير للسخرية أن المسؤولين يتحدثون عن “تطوير البنية التحتية” و“تحسين جودة حياة المواطن” بينما المواطن نفسه يكافح يوميًا للعثور على مرحاض عمومي صالح للاستخدام. الأمر أشبه بمحاولة إنشاء مدينة فاخرة على ورق، لكن دون شبكات صرف صحي أو مرافق أساسية، وكأننا نسعى لنعرض على العالم صورة “مغرب المستقبل” بينما الواقع اليومي للمواطن هو السير في شوارع تفتقد أبسط شروط النظافة العامة.
ولعل الأسوأ في الأمر أن هذه الغفلة لا تُعزى إلى نقص الإمكانيات المادية، فالدولة تُنفق الملايير في مشاريع كبرى، وتستورد أحدث المعدات والتقنيات، بينما الاستثمار في مراحيض عمومية صديقة للبيئة وآمنة هو أقل تكلفة بكثير، لكنه يحتاج فقط إلى إرادة سياسية بسيطة… أمر يبدو أنه غائب تمامًا.
النتيجة: المواطن يقف على مفترق الطرق، بين إحساسه بالفخر أمام الملاعب والقطارات الفائقة السرعة، وبين إحساسه بالمرارة أمام غياب أبسط مرافق الحياة اليومية. وفي الوقت نفسه، تتحول الحاجة الطبيعية إلى مغامرة يومية، تستدعي البحث عن زوايا خفية أو أماكن غير رسمية، وهو ما يترك أثره النفسي والاجتماعي على الجميع، كبارًا وصغارًا، نساءً ورجالًا.
باختصار، يبدو أن المسؤولين في بلادنا ينسون أن التنمية الحقيقية لا تُقاس فقط بالملاعب الضخمة أو القطار السريع، بل تُقاس أيضًا بكرامة المواطن العادي، الذي لا يحتاج إلى أن يقف في طابور الانتظار أمام قصر أو ملعب، بل يحتاج إلى مرحاض نظيف وآمن قريب من بيته أو مكان عمله.
لذلك، وبين كل مشاريع الكبرياء والتفاخر، تبقى المراحيض العمومية بمثابة “النسيان الوطني”، ودرسًا صارخًا في ترتيب الأولويات: قبل أن نركب قطارات فائقة السرعة أو نبني ملاعباً للأبطال، دعونا نحرص على ألا يكون المواطن مضطرًا لأن يحمل شعورًا بالحرج في بلد يفتخر بالحداثة والتنمية، ويغفل أبسط حاجاته الإنسانية.




