مجتمعسياسة

من ادّعاء النبوة إلى الترويج للتطبيع… فجأة يسقط القناع ويظهر الثمن الخفي

ضربة قلم

في زمن الالتباس الكبير، أصبح من العادي جدًا أن ترى من كان يصرخ على المنابر ضد “الخيانة” وهو اليوم يبتسم تحت أضواء التطبيع. أولئك الذين أمضوا سنوات يُزايدون في الوطنية، ويرفعون الشعارات الكبرى باسم الأمة والهوية والحق المغتصب، وجدناهم – فجأة – ينادون بالتطبيع جهارًا نهارًا، دون أن يرف لهم جفن، وكأن شيئًا لم يكن.

الغريب أن هؤلاء لم يأتوا إلى السياسة أو الصحافة من باب الواقعية، بل من بوابة “النبوة المزيفة”، حيث لبسوا عباءة الواعظ، واحتكروا الحديث باسم القيم، وصادروا كل من خالفهم الرأي. والآن؟ باعوا تلك العباءة في سوق المنافع، واشتروا بدلًا منها كراسي في مؤتمرات “السلام الاقتصادي” و”حوار الحضارات” المموّل جيدًا.

التحوّل السحري: حين تتبدّل المبادئ على إيقاع الدولار
لا أحد يمانع في أن تتطور المواقف أو أن يعيد المرء تقييم قناعاته، لكن المشكلة مع هؤلاء أنهم لم يُراجعوا أنفسهم، بل انقلبوا 180 درجة دون تفسير، دون اعتذار، ودون حتى التواضع لشرح هذا الانقلاب العجيب. بالأمس كانوا يوزّعون تهم التخوين، واليوم يوزّعون الدعوات لحضور حفلات الاستقبال القادمة من خلف البحار.

فهل هو المال؟ هل هي المناصب؟ أم هي أوامر فوقية لا تُرد؟
لا أحد يعرف الثمن الحقيقي، لأن الفاتورة لم تُكشف بعد. كل ما نراه هو أداء باهت، تبريرات ساذجة، وابتسامات مريبة… والأخطر: جمهور مذهول لم يعد يعرف من يصدّق.

الخطاب المزدوج… والنفاق الرسمي
الأنكى أن بعضهم ما زال يتحدث عن “المقاومة” في الصباح، ويمضي ليلته على موائد التطبيع في المساء. يُغرد عن فلسطين، ثم ينشر صورة في تل أبيب. يقرأ آية الكرسي في مهرجان، ثم يُصافح من لا يعترف حتى بحق الشعب الفلسطيني في الوجود.

هذا ليس فقط نفاقًا سياسيًا، بل انفصامًا أخلاقيًا، لم يعد يمرّ على الشعوب كما في السابق. فالجمهور اليوم ذكي، متابع، يحفظ أرشيف المواقف، ويقارن بين الخطابات ويقرأ ما بين السطور.

من النبوة إلى “الصفقات”… بلا معجزة ولا كتاب
في لحظة تاريخية حاسمة، نزل هؤلاء من منابر الدعوة إلى مقاعد التفاوض. لم يعودوا يحملون كتابًا ولا رسالة، بل حقيبة سفر مليئة بالأعذار الجاهزة. إنهم لا يعرفون الثمن الحقيقي للتطبيع، لأنهم ببساطة ليسوا هم من يدفعه، بل الشعوب التي تنظر من بعيد، وتفقد إيمانها بكل شيء: بالوطن، بالمقاومة، بالخطاب، وحتى بالسياسة نفسها.

خاتمة: سقوط المدّعين… وعودة الأسئلة المؤجلة
اليوم، سقطت أوراق التوت عن كثيرين. لم يعودوا حماة المبدأ، ولا أنبياء القيم، ولا دعاة الشرف الوطني. إنهم ببساطة موظفون في ماكينة أكبر، تحركهم التعليمات وتُغريهم الامتيازات.

لكن السؤال سيظل قائمًا، رغم كل هذا الضجيج:
ما هو الثمن الحقيقي لهذا التحول؟ من قبض؟ من قرّر؟ ومن باع من؟
وإذا كان هؤلاء قد انتقلوا من ادعاء النبوة إلى ترويج التطبيع…
فمن بقي ليحمل صوت الحق في زمن البيع المعلن؟

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.