من الحشمة إلى التفاخر: حين صارت الكاميرا إمام العصر

ضربة قلم
كان زمان، الإنسان كيدير الخير في الخفاء، واللي يزور المريض ما كيعلم حتى أقرب الناس.
اليوم؟ كل شيء موثق: دعاء بصوت باكي على “الستوري”، صدقة مصوّرة بتقنية 4K، وحتى الجنائز ولات فيها كاميرات أكثر من المسجد!
في الأعراس، ما بقاش المهم “العشرة الطيبة” بين الزوجين، بل عدد المصورين وعدد “اللقطات الجوية” اللي كيديرها الدرون فوق رؤوس المدعووين.
في الأسواق، الناس ما بقاتش كتقلب على الجودة، ولكن على الزاوية المناسبة للفيديو: “صورني وأنا كندير الشرِّي من عند مول الخضرة، باش نقول للناس راك كتشجع المنتوج المحلي.”
اللي كان زمان كيسمى “التباهي”، ولات اليوم “مشاركة التجربة”.
والمضحك أن كل شي كيديرها بنية “طبيعية”، لكن بمجرد ما توقف الكاميرا، كتوقف المشاعر.
الأم اللي كتعيط لولدها بحنان قدام اللايف، كتنساه بعد البثّ.
الجار اللي كيعطي خبزة لجاره قدام الكاميرا، كيغلق عليه الباب من بعد ويقول: “سْيِّر الله يسهل عليك.”
حتى الموت ما بقى عنده حرمة: جنازة فيها تصوير مباشر، وتعاليق بحال:
“الله يرحمو، لكن الإضاءة ضعيفة.”
“فين لقطات القبر؟ بغينا نشاركها في الصفحة.”
هكذا تحولنا من مجتمع كيعطي الله السر، إلى مجتمع كيعطي الخلق الصورة.
صرنا نعيش من أجل المشهد لا من أجل المعنى.
حتى الفرح ولى “إخراجًا فنيًا”، والحزن “محتوى مؤثرًا”، والمواساة “تعاونًا إعلاميًا”.
الكاميرا ولات هي “الضمير الجماعي”، والناس ما بقاش كتهتم: واش العمل صالح؟ بل واش بان زوين في الفيديو؟
المهم: الإضاءة، الزاوية، والفلتر.
زمان كانوا كيقولو “الستر زين”.
اليوم كيقولو “زيد شوية الضوء، ما باين والو.”




