مجتمع

من الحلم بالرئاسة إلى الهروب من المسؤولية: المستشارون الجماعيون بين الغياب والعقاب!

م-ص

يُعد غياب المستشارين الجماعيين عن دورات المجلس من أكثر الظواهر التي تثير الجدل في تدبير الشأن المحلي بالمغرب، خاصة عندما يتعلق الأمر بأفراد كانت أعينهم معلقة بمناصب عليا داخل الجماعة، أو كانوا يعتقدون أن الانتخابات هي طريق مختصر للسلطة والنفوذ والمنافع الشخصية. ولكن حين تتبخر الأحلام، ويجدون أنفسهم مجرد مستشارين بين العشرات، بلا صلاحيات واسعة أو امتيازات مغرية، يصبح الالتزام بالحضور إلى دورات المجلس عبئًا ثقيلاً عليهم، بل ويختفون عن الأنظار كأن الأرض ابتلعتهم.

القانون واضح، ولكن…

القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات وضع آليات لضمان الانضباط في تسيير المجالس الجماعية. فالمادة 67 منه تنص صراحة على أن المستشار الجماعي الذي يتغيب دون مبرر مقبول عن ثلاث دورات متتالية، أو خمس دورات متقطعة، يُمكن للمجلس أن يقرر إقالته بأغلبية أعضائه. ويتم ذلك بعد استدعائه للاستماع إليه، أي أن المشرع أتاح له فرصة تبرير غياباته قبل اتخاذ قرار نهائي بشأنه. لكن، ورغم هذه المقتضيات، فإن بعض المستشارين لا يكلفون أنفسهم حتى عناء تقديم الأعذار، لأنهم ببساطة لم يعودوا مهتمين بأداء الدور الذي انتُخبوا من أجله.

من الحلم بالرئاسة إلى الهروب من المسؤولية

هؤلاء المستشارون هم أنفسهم الذين خاضوا الحملات الانتخابية بوعد “إنقاذ الجماعة”، وتعهدوا بإحداث ثورة تنموية، وجعلوا من أنفسهم منقذين محتملين لأحياء أو حتى دواوير بأكملها. لكن بمجرد أن خسروا سباق الرئاسة، أو لم يحصلوا على المواقع التي كانوا يطمعون فيها داخل المجلس، تحولوا إلى كائنات غائبة عن الساحة، يختفون عند الحاجة إليهم، وكأنهم لم يكونوا قبل أسابيع فقط يطرقون أبواب الناخبين في كل وقت وحين.

وهنا لا بد من الإشارة إلى بعض الذين لا تغريهم حتى الرئاسة بحد ذاتها، بل يبحثون عن تلك “اللجان الذهبية” داخل المجلس: لجنة التعمير، لجنة الميزانية، أو حتى لجنة الشراكات والتعاون الدولي، حيث يمكن عقد اتفاقيات بملايين الدراهم، وتوجيه الاستثمارات نحو اتجاهات معينة. لكن حين يجدون أنفسهم في لجان بلا تأثير حقيقي، أو يُزاحون من طريق الصفقات التي حلموا بها، يبدأ مسلسل الغياب المتعمد.

هل القانون يُطبق بصرامة؟

رغم وضوح القانون، فإن إقالة المستشارين الغائبين تظل مسألة نادرة، حيث يلجأ بعض رؤساء الجماعات إلى التساهل مع زملائهم السابقين في السباق الانتخابي، خوفًا من تأجيج الخلافات السياسية داخل المجلس أو إحداث فراغ قد تستفيد منه المعارضة. كما أن بعض المستشارين يتقنون فن “التبرير”، فيختلقون أعذارا إدارية أو شخصية، أو حتى مرضية، للبقاء في المجلس دون أي التزام فعلي بالحضور.

السلطة الوصية والقضاء الإداري: أدوار محدودة

السلطة الإدارية، ممثلة في وزارة الداخلية عبر الولاة والعمال، يمكنها التدخل إذا تجاوزت الغيابات حدها المعقول، حيث يحق لها اللجوء إلى القضاء الإداري لطلب إقالة المستشار الذي يعرقل سير المجلس بغياباته المتكررة. غير أن هذه الإجراءات غالبًا ما تأخذ وقتًا طويلاً، كما أن بعض المجالس تفضل التستر على هذه المشاكل بدل مواجهتها علنًا.

الناخبون في الواجهة: هل هناك محاسبة حقيقية؟

الأزمة الأكبر هي أن الناخبين الذين صوتوا لهؤلاء المستشارين لا يملكون آلية قانونية لمساءلتهم خلال الولاية الانتخابية، إذ لا يمكن سحب الثقة منهم إلا في حالات استثنائية. وهذا يعني أن الجماعة قد تبقى رهينة لمستشارين أشباح، لا يظهرون إلا عند حلول موعد الانتخابات المقبلة، حيث يعيدون تشغيل نفس الأسطوانة المعتادة.

ختامًا: هل نحتاج إلى تعديل القانون؟

من الواضح أن بعض المستشارين يرون في الانتخابات مجرد وسيلة للوصول إلى مصالح شخصية، وحين تفشل خططهم، يتعاملون مع مقعدهم كمستشار كأنه عقوبة لا تطاق. وهنا قد يكون من الضروري التفكير في تعديل القانون، لجعل آليات المحاسبة أكثر فاعلية، وفرض الحضور الفعلي والمساهمة في أعمال المجلس. لأنه، في نهاية المطاف، الجماعة ليست نادياً اجتماعياً للباحثين عن الامتيازات، بل مؤسسة تُعنى بتدبير شؤون المواطنين، وأي مستشار لا يؤدي دوره الذي اختاره من محض إرادته، يجب أن يُحاسب دون تردد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.