من المحمدية إلى عين الشق… نتائج باهتة تهزّ صورة التعليم في جهة البيضاء–سطات
مفارقة صادمة تكشفها نتائج البكالوريا 2025 وتدق ناقوس الخطر

ضربة قلم
في وقت كانت فيه التوقعات تشير إلى تقدم جهة الدار البيضاء–سطات في نتائج امتحانات البكالوريا، نظرًا لما تتوفر عليه من مؤهلات اقتصادية وتعليمية كبرى، جاءت النتائج مخيبة للآمال، واضعة الجهة في مرتبة متأخرة جدًا مقارنة بباقي جهات المملكة، وهو ما يدعو إلى وقفة تأمل جادة أمام هذا التراجع المقلق.
أرقام غير مطمئنة…
في الدورة العادية من امتحانات البكالوريا 2025، لم تتجاوز نسبة النجاح على صعيد جهة الدار البيضاء–سطات 61,49%، أي أقل من المعدل الوطني. وهي نتيجة وضعت الجهة خلف جهات أقل موارد، مثل:
- جهة الشرق التي تصدّرت الترتيب بـ 87,60%
- جهة الرباط–سلا–القنيطرة بنسبة 81,93%
- وحتى جهة درعة–تافيلالت بـ 76,27%
وهو ما يدفع إلى التساؤل: كيف يعقل أن تسجل جهة الدار البيضاء، باعتبارها العاصمة الاقتصادية للمغرب، ومركز الثقل الديمغرافي والبشري، واحدة من أضعف النتائج في البلاد؟
تفاصيل تكشف الخلل من الداخل
نظرة على توزيع النتائج حسب عمالات وأقاليم الجهة تكشف تفاوتًا صارخًا وخللًا بنيويًا:
| العمالة / الإقليم | نسبة النجاح |
| مديونة | 73,27% |
| النواصر | 71,98% |
| برشيد | 71,67% |
| سيدي بنور | 58,29% |
| الفداء مرس السلطان | 56,46% |
| عين السبع | 53,51% |
| آنفا | 51,09% |
| عين الشق | 48,97% |
| بن مسيك | 47,25% |
| الحي الحسني | 46,87% |
| المحمدية | 45,02% |
| سيدي البرنوصي | 44,80% |
| مولاي رشيد | 40,30% |
الأرقام هنا تنطق بالحقيقة المؤلمة: مديونة والنواصر تسجلان نتائج جيدة تفوق 70%، بينما تغرق عمالات كبرى مثل المحمدية، سيدي البرنوصي، وعين الشق في معدلات أقل من 50%.
والأدهى أن مولاي رشيد، وهي من بين أكبر المناطق كثافة سكانية، لا تتجاوز فيها نسبة النجاح 40%!
أسباب محتملة للتراجع
رغم غنى الجهة من حيث البنية التحتية والقطاع الخاص التعليمي، إلا أن هناك عوامل عدة قد تكون وراء هذا التراجع:
- الاكتظاظ المهول داخل المؤسسات التعليمية :
تشهد المدارس العمومية بالدار البيضاء ضغطًا كبيرًا بسبب الكثافة السكانية العالية، حيث يتجاوز عدد التلاميذ في بعض الأقسام 45 تلميذًا، ما يضعف التركيز ويحدّ من فعالية التدريس.
- ضعف التأطير التربوي والتوجيه الدراسي :
عدد المستشارين في التوجيه والدعم النفسي غير كافٍ لمواكبة الكم الهائل من التلاميذ، ما يؤدي إلى اختيارات شعب دراسية غير مناسبة، أو انسحاب مبكر من التعليم.
- الفوارق الاجتماعية والاقتصادية :
تلميذ يقطن في حي شعبي مهمّش، يعاني من الضجيج، غياب الدعم الأسري، وضيق ذات اليد، لا يمكن مقارنته بآخر يحظى بكل ظروف الراحة في بيئة داعمة.
- التفاوت في الموارد بين الأقاليم :
في حين تستفيد بعض المناطق من تجارب رائدة، نجد أخرى – خصوصًا داخل الدار البيضاء الكبرى – تعاني من خصاص كبير في التجهيزات والبنيات التحتية.
دعوة لمراجعة السياسات الجهوية للتعليم
ما حدث في جهة الدار البيضاء–سطات ليس مجرد “تعثّر” عابر، بل هو مؤشر صارخ على اختلالات هيكلية، تستوجب تدخلًا عاجلًا من الجهات المسؤولة:
- إعادة توزيع الموارد البشرية وفقًا للكثافة التلاميذية
- خلق توازن حقيقي بين العرض التعليمي في القرى والمدن، وبين الأحياء الراقية والهامشية
- دمج البعد الاجتماعي في التخطيط التربوي
- دعم الأسر في المناطق الأكثر هشاشة بمبادرات تتجاوز المساعدات الظرفية
خاتمة: الدار البيضاء في حاجة إلى مدرسة قوية لا إلى واجهات دعائية
لقد كشفت نتائج البكالوريا عن الوجه الآخر لجهة الدار البيضاء–سطات. جهة تتصدر الاقتصاد، لكنها تتقهقر في التعليم. فالمطلوب ليس فقط بناء المدارس، بل بناء الأمل والثقة والكفاءة. المدرسة العمومية ليست فقط حجرة وسبورة، بل هي المشروع الوطني الأكبر الذي يتوقف عليه كل شيء: من الاقتصاد إلى الأمن، ومن السلم الاجتماعي إلى مستقبل الأمة.




