من المنصة إلى الزنزانة: رؤساء الأندية المغربية و”التحكيم القضائي”

ضربة قلم
يبدو أن كرة القدم المغربية لا تكتفي بإبهارنا بالمراوغات داخل المستطيل الأخضر، بل أصبحت ساحة مفتوحة لمنافسة شرسة في فنون أخرى: التملص، الالتفاف، والتحايل، وكل ذلك تحت شعار “اللعب النظيف”. فمن كان يتخيل أن رؤساء الأندية الذين طالما قدموا أنفسهم كحماة اللعبة وعشاق الفرق الجماهيرية، سينتهي بهم المطاف ليس على منصات التتويج، بل في زنازين المتابعة والتحقيق؟
في حالة سعيد الناصيري، الأمور كانت واضحة تمامًا، فلم يكن هناك حتى حاجة لمؤثرات صوتية إضافية لتوضيح المشهد. الرجل الذي جلس طويلًا على عرش الوداد البيضاوي، لم يكن يكتفي بحصد الألقاب فقط، بل يبدو أنه كان بارعًا في “تكتيكات أخرى” داخل دهاليز المال والسلطة. لم يفاجأ أحد عندما أصبح “الكابو” السابق للوداد ضيفًا على القضاء، لأن ملفات الفساد في الرياضة المغربية ليست من الأسرار العميقة، بل هي كُتب مفتوحة للجميع، تُقرأ بين السطور، لكنها تُترك عمدًا بدون خاتمة، إلى أن يقرر “شي حد من الفوق” أن الوقت قد حان لإغلاق الصفحة.
أما عزيز البدراوي، فقد حاول أن يلعب دور المنقذ الرجوي، لكن يبدو أنه كان أكثر اهتمامًا بمراكمة الأصفار في حساباته البنكية من مراكمة النقاط في البطولة الوطنية. وعندما تساقطت أوراق التوت عن مشاريعه المشبوهة، وجد نفسه جنبًا إلى جنب مع بارون بوزنيقة محمد كريمين، الذي لم يكن بارعًا فقط في هندسة العقار، بل في هندسة الأوهام أيضًا، حتى استيقظ الجميع على حقيقة أن “مشاريع الخير” لم تكن إلا حفرة مالية بلا قاع.
لكن إذا كانت ملفات هؤلاء مكشوفة كوضوح الشمس في ظهيرة صيف حار، فإن محمد بودريقة يختلف عنهم في شيء واحد: الغموض الذي يلف قصته، والتي بدأت تأخذ منحى أكثر تشويقًا من أي سيناريو سينمائي. الرجل الذي دخل في نفق الاعتقال بألمانيا، بدا وكأنه شبح يتلاشى تدريجيًا في عالم النسيان. لا أخبار رسمية، لا بيانات توضيحية، فقط همسات وتسريبات متناثرة تتركنا جميعًا نتساءل: ما الذي حدث بالضبط؟ ولماذا يبدو الجميع وكأنهم لا يريدون الخوض في التفاصيل؟
القاعدة الذهبية تقول إنك عندما تسمع الكثير من التفسيرات المتضاربة حول قضية ما، فإن الحقيقة غالبًا ما تكون أكثر سوادًا وتعقيدًا مما نتصور. وبينما تمتلئ مواقع التواصل بتكهنات متباينة، يبقى الصمت الرسمي أكثر صخبًا من أي تصريح. فهل كان الأمر مجرد حادثة عابرة؟ أم أن هناك فصولًا غير مكتملة في قصة لم يُسمح لنا بقراءتها بعد؟
في النهاية، يبدو أن رؤساء الأندية في المغرب يعيشون حياة مليئة بالمباريات المثيرة، لكن مع فرق واحدة فقط: الملاعب تغيرت، والجماهير لم تعد تهتف بأسمائهم، بل تتابع قضاياهم بحذر، في انتظار صفارة النهاية… التي غالبًا ما تأتي متأخرة جدًا