دفاتر قضائية

من شقق المتعة إلى سجن الأوداية: حين تُدان الوسيطة ويُصفّق للزبون

ضربة قلم

ها قد قررت النيابة العامة بابتدائية مراكش أن تقول كلمتها مساء هذا الاثنين الجميل، حين اختارت أن تُرسل سيدتين في نزهة طويلة المدى إلى سجن الأوداية، المكان الذي لا يفرّق بين من يبيع الجسد ومن يبيع الوطن، بينما سمحت لشخصين آخرين بالتأمل في خطاياهم من خارج القضبان، مقابل كفالة مالية قد لا تصل حتى إلى ربع ما ظل يجنى من تجارة اللحم الآدمي.

لكن مهلاً… لا تظلموا السيدتين، فهما لم تفعلا أكثر من فتح أبواب شقق ليست للعامة، لأشخاص كانوا يعرفون جيداً أن الطريق إلى المتعة لا يمر عبر الحب ولا عبر الزواج، بل عبر تطبيقات ذكية وخدمة زبناء أسرع من مطاعم الوجبات السريعة. ماذا فعلتا؟ فقط وضعتا شققاً “خاصة جداً” رهن إشارة من يبحثون عن لحظات قصيرة المدى، وحرروا فيها الجسد من أغلال الممنوع، وحوّلوا الحياء إلى “موضة قديمة” لا تصلح إلا في الكتب المهترئة.

وبالطبع، لا يكتمل العرض دون مشاركة المساعدة، تلك التي، بحسب القرار الجنائي، مارست الفساد، وروّجت له، وشاركت في جعل الشقق وكراً لا يقل تنسيقه عن غرف الفنادق ذات النجوم الخمس… ربما الفرق الوحيد هو غياب ميني بار ووجود لائحة أسعار غير رسمية تحددها “مواسم الطلب”. يقال إن المساعدة لم تكن فقط “مساعدة”، بل كانت أشبه بمنسقة لوجستية، مسؤولة عن ضبط المواعيد، استقبال الضيوف، التأكد من توفر العطور و”المناديل” وحتى مشروب النعناع في بعض الأحيان. فالعلاقة الجنسية في المغرب لا تكتمل إلا بطقوس تشبه تحضير الحريرة: تبدأ بالتفاوض وتنتهي بالدفتر.

قصة الشبكة بدأت عندما قررت الشرطة أن تتجول افتراضياً، وبدلاً من مطاردة حسابات تنشر الإشاعات السياسية وحتى الفتنة أحيانا، وقعت أعينهم على إعلانات مثيرة تَعِد بما لا يُقال، وتُروج لما لا يُعترف به علناً. إعلانات لا تحمل صوراً واضحة، لكن توحي بأكثر مما تظهر. كان عنوانها أشبه بدعوات صريحة لليالي لا تنتهي إلا بانتهاء “المقابل”.

التحريات قادتهم إلى شقتين في مراكش، حيث لا يحتاج الزبون إلى المرور من استقبال، ولا إلى إبراز بطاقة تعريف، فالمعاملات كانت تتم عبر رسائل مشفرة بلغة يفهمها أهل “الهوى”. وداخل الشقق، لم يجد الأمن لا كتباً للقراءة ولا مصاحف للذكر، بل وجد جسداً للبيع، و”مواهب” يتم التفاوض حولها كأنها عروض نهاية الموسم.

هكذا هو الحال في مغرب الحداثة المرقّعة، حيث تُغلق الكباريهات بحجة الأخلاق، وتُفتح الشقق بحجة الخصوصية. حيث يُدان من يبيع جسده بينما يُكرّم من يسرق الملايير. حيث تُطارد امرأة لأن قميصها قصير، ويُصفق لرجل لأن فمه طويل. إنها بلاد العجائب حيث تُحاكم الدعارة الرسمية باسم القانون، بينما تحيا الدعارة السياسية تحت قبة البرلمان.

ما حدث في مراكش ليس جديداً ولا غريباً، هو فقط فصل آخر من مسلسل طويل عنوانه: “الجسد المغربي… من الطابو إلى الطابور”، حيث تقف النساء طوابير أمام الحاجة، وتُسجن الأخلاق داخل المقررات، بينما تُمارس الوقاحة بأسماء مستعارة وعناوين فاخرة. والضحايا دائماً… هنّ نساء من طبقة مسحوقة، لم تجد في الوظيفة العمومية إلا أحلاماً تبخرت، وفي الزواج إلا انتظارات معلّقة، فاخترن أن يبعن ما بقي من أنوثتهن، لعابر سبيل يدفع، ويغادر كأن شيئاً لم يكن.

وها هي العدالة الآن تتدخل، وقد تتدخل مجدداً، لكنها -كعادتها- لا تمسك سوى بالخيط الضعيف، بينما يظل “الزبون” مجهول الهوية، يمشي واثق الخطى، ينظر إلى الأخبار في الليل، ويغسل يديه في الصباح… بالصابون أو النفاق، لا فرق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.