من شقق بلا ماء إلى سيارات تتنقل عبر الزمن: الناصري واليزيدي في مسرحية “إسكوبار الصحراء”!

ضربة قلم
آه يا بلد العجائب! مرحبًا بك في العرض الكبير لمحكمة السيرك القضائي، حيث تتقاطع السيارات الفارهة مع الشقق التي لا ماء فيها ولا كهرباء، ويختلط الحابل بالنابل والناصري باليزيدي، والكل ينتهي في مكتب الموثقة بنهاشمي كأنها هي بوابة عبور إلى عالمٍ موازٍ عنوانه: “صدق أو لا تصدق، لكن وقع هنا”.
سعيد الناصري، الذي كنا نعرفه رئيسًا لنادٍ رياضي، أصبح الآن نجمًا في مسرحية قانونية من إنتاج مغربي خالص وتمويل دولي عبر “الحاج أحمد بن إبراهيم” الملقب بـ”إسكوبار الصحراء”، لأن ما عندنا ما يكفينا من إسكوبارات! الرجل لا يشتري إلا الشقق الغامضة التي تظهر في رمضان وتتبخر قبل العيد، بينما الناصري يتجول برفقة المالي بين الموثقة والمشاريع العقارية كأنهم في رحلة سياحية بمهرجان الأبواب المفتوحة للنيابة العامة.
لكن المشهد لا يكتمل من دون دخول فؤاد اليزيدي، الملياردير الذي قيل له “بيع الشقق”، فباعها وهو يظن أنها للناصري، ثم تبين أنها لإسكوبار! الله يعطيهم هذا النوع من الصداقات العفوية، حيث تبيع شققًا لا تدري لمن، وتعطي شيكًا لا تعلم لماذا، ويصادف أنك موقوف لأنك كنت طيبًا زيادة عن اللزوم! قالها بصريح العبارة: “أنا مجرد فاعل خير”، وهذا جميل، لأن في زمننا، فاعلو الخير نادرون، خصوصًا حين تتجاوز كرمهم مئات الملايين ويكونون مستعدين لإيداع شيكات ضمان لمعاملات لا تخصهم. هنيئًا لنا بهذا الجيل من المليارديرات المؤثرين.
أما الموثقة سليمة، فهي الحلقة الأكثر ثباتًا في هذا المسلسل، حضورها كمن ينقل وقائع مباراة نهائية: الجميع كان حاضرًا، العاشوري والعاتيقي و… من يدري، ربما حتى الحكم الرابع! هي تؤكد تواريخ وأسماء وأماكن بينما الآخرون يتبادلون روايات كأنهم في مسابقة “من يريد أن يصبح بريئًا؟”.
ولا تنسَ عزيزي القارئ الشقة في المحمدية التي اقتناها الناصري سنة 2008 لكنها كانت مجرد “ديكور”؛ لا ماء ولا كهرباء ولا حتى أثر للسكن. يبدو أن الرجل كان يستثمر في أطلال وليس في عقارات، وربما كان يحلم بتحويلها إلى متحف للصمت العقاري، أو صالة عرض لغرائب الصفقات السياسية.
أما عن 250 مليون سنيتم التي سلمها المالي لخادمته، فهنا نبلغ الذروة في هذا العرض الكوميدي. بالله عليك، هل يوجد في هذا البلد خادمات بهذه الثقة والكرم بحيث يستلمن الملايين كأنها بقشيش؟ وكيف يتم بيع شقة لمعتقل؟ هل هناك خدمة “ديليفري” للعقارات داخل السجون لم نعلم بها بعد؟ أم أن هناك نسخة VIP من السجون تسمح بإتمام الصفقات من خلف القضبان بلمسة زر؟!
ثم نصل إلى مرسيدس الجدل، تلك التي تزوجها الجميع وطلقها الجميع وركبها الجميع، لكنها لا تزال معلقة بين المالي وطليقته الفنانة لطيفة رأفت، وكأنها هي الأخرى لم تعد تدري لمن تنتمي. رأفت تقودها رغم أنها مطلقة منذ أبريل، والسيارة دخلت المغرب في يونيو. هل هذا يعني أنها كانت تقودها بالتخاطر؟ هل لطيفة رأفت تمتلك رخصة قيادة زمنية تسمح لها بالتنقل عبر تواريخ الملفات القضائية؟!
كل هذا ولم يُستمع إلى الناصري في البحث! رجل يقف أمام المحكمة كما يقف أحد نجوم الكوميديا السوداء، يلوّح بأوراق لم يُسمح له بتقديمها، ويتحدث عن سيارة ميرسديس كما لو أنها هي الأخرى متهمة تحتاج إلى محامٍ.
في النهاية، ليس هذا ملفًا قضائيًا فقط، بل نصٌّ مسرحي جاهز للعرض على مسارح العالم. في فصوله تجد كل عناصر الفرجة: ملياردير طيب لدرجة السذاجة، رئيس نادٍ رياضي يتحول إلى خبير عقارات مظلمة، تاجر مخدرات يظهر كظل في كل زاوية، موثقة تصف كل شيء بدقة محضر عسكري، وشقة بلا ماء ولا كهرباء كأنها ترمز لحالنا العقاري والسياسي في آنٍ معًا.
والسؤال الوحيد المتبقي: هل نحن في محكمة الاستئناف أم في حلقة جديدة من “الكاميرا الخفية”؟