دفاتر قضائية

من فاس إلى كل المدن… هل صار التحذيرُ بالرصاص عادةً أمنية؟

ضربة قلم

في الساعات الأولى من فجر هذا السبت 11 أكتوبر، شهدت مدينة فاس واقعة جديدة تُضاف إلى سلسلة حوادث أصبحت تتكرر في الآونة الأخيرة، حين اضطر مفتش شرطة يعمل بولاية أمن فاس إلى استعمال سلاحه الوظيفي بشكل تحذيري لتوقيف شاب يبلغ من العمر 26 سنة، من ذوي السوابق القضائية، بعدما رفض الامتثال لتعليمات عناصر الأمن وهدّدهم بسلاح أبيض في وضعية تنذر بالخطر.

وحسب المعطيات المتوفرة، فإن الدورية الأمنية كانت بصدد التدخل لاحتواء فوضى أحدثها المشتبه فيه وهو في حالة سكر متقدمة، بعدما عمد إلى إثارة الضجيج بالشارع العام وإزعاج الساكنة في ساعة متأخرة من الليل. غير أن الأمور تطورت بسرعة بعد أن واجه المعني بالأمر عناصر الشرطة بمقاومة عنيفة، ملوّحًا بسلاح أبيض بشكل جعل التدخل الأمني يخرج عن الإطار العادي، ويدفع مفتش الشرطة إلى إطلاق رصاصة تحذيرية في الهواء، في محاولة لتفادي الأسوأ وضبط الموقف دون إراقة دماء.

العملية انتهت بتحييد الخطر وتوقيف المشتبه فيه، الذي تم حجز السلاح الأبيض بحوزته وإحالته على البحث القضائي تحت إشراف النيابة العامة المختصة، من أجل تحديد جميع ملابسات القضية والوقوف على دوافعه وخلفيات تصرفه العنيف.

لكن خلف هذا الحدث الذي مرّ بسلام، يبرز سؤال أكبر بدأ يتردّد بصوت خافت بين الناس: هل أصبحت حوادث إطلاق الرصاص التحذيري مشهدًا متكررًا في نشرات الأخبار المغربية؟
فخلال الشهور الأخيرة، تزايدت حالات لجوء عناصر الأمن إلى استعمال أسلحتهم الوظيفية، سواء بشكل تحذيري أو مباشر، في مدن مختلفة من المملكة. وهو ما يثير نقاشًا هادئًا – بل ومشروعًا – حول فلسفة استخدام القوة، وحدودها، وكيفية ضبطها بما يضمن في آن واحد حماية حياة الشرطي وصون حياة المواطن مهما كانت ظروفه.

في العديد من الدول، حين يضطر رجل الأمن إلى استخدام سلاحه، فإن القاعدة المتعارف عليها هي تصويب الرصاص نحو الأرجل، وهي قاعدة تهدف إلى شلّ الخطر لا إنهائه، إلى إيقاف المعتدي لا إعدامه ميدانيًا. غير أن السياق المغربي، بتعقيداته الأمنية والاجتماعية والنفسية، يجعل هذه المعادلة أكثر هشاشة، حيث تكون الثواني الفاصلة بين “التحذير” و”الخطر” كافية لتحديد مصير إنسان أو شرطي.

ولعلّ ما يجب التوقف عنده ليس فقط في واقعة فاس، بل في مجمل هذه الأحداث، هو الحاجة إلى نقاش وطني حول مفهوم القوة الأمنية في الميدان، وكيف يمكن تطوير التكوينات والتدخلات لتوازن بين الحزم والاحترافية، وبين الردع واحترام الحق في الحياة.

الشرطة، في نهاية المطاف، ليست طرفًا ضد المواطن، بل درعًا يحميه. لكن هذا الدرع يحتاج بدوره إلى ثقة المجتمع، وإلى وضوح في قواعد الاشتباك التي تجعل الرصاصة آخر خيار، لا أول حلّ.

ربما ما حدث في فاس مرّ بسلام، وربما أن الرصاصة التحذيرية أُطلقت في وقتها تمامًا. غير أن تكرار هذه المشاهد يذكّرنا بأن العنف – أيًّا كان مصدره – لا يجب أن يصبح اعتياديًا، وأن الأمن الحقيقي لا يُقاس بعدد الرصاصات التي أُطلقت، بل بعدد المرات التي لم تُطلق فيها، لأن العقل والحكمة يجب أن يكونا أسرع من الزناد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.