دفاتر قضائية

من 30 سنة إلى المؤبد: حين تنتصر العدالة لروح أستاذة أرفود

ضربة قلم

لم تكن جريمة أرفود مجرد حادث عابر في سجل العنف الذي يهز المجتمع بين الحين والآخر، بل كانت صدمة حقيقية كسرت قلب مدينة بأكملها. أستاذة للتكوين المهني، معروفة بتفانيها وطيبتها، تُغتال في ظروف بشعة على يد شاب فقد بوصلته الإنسانية. واليوم، وبعد شهور من التحقيق والمرافعات، جاء قرار محكمة الاستئناف ليضع النقاط على الحروف: رفع العقوبة من ثلاثين سنة إلى السجن المؤبد.

العدالة تعيد التوصيف

في حكمها الجديد، اعتبرت المحكمة أن الجريمة لم تكن مجرد لحظة غضب عابرة أو خلاف عابر، بل فعلاً يحمل سمات القصد والإصرار. فالتكييف القانوني تغيّر، ومعه تغيرت نظرة العدالة إلى الفعل، من جريمة قتل عادية إلى قتل عمد مع سبق الإصرار والترصد.
هذا التغيير لم يأتِ عبثاً؛ فقد رأت المحكمة في تفاصيل الجريمة ما يثبت أن الفاعل أعدّ عدته مسبقاً، واختار لحظته بدقة، ليُنفذ جريمة بشعة في حق امرأة لم تحمل له سوى العلم والاحترام.

المؤبد… عقوبة الحياة

قد يتساءل البعض: لماذا لم يُحكم بالإعدام؟
الجواب بسيط ومعقّد في آن. فالمغرب، وإن ظل يحتفظ بعقوبة الإعدام في النص القانوني، لم ينفذها منذ عقود طويلة. لذلك، بات السجن المؤبد هو العقوبة الأقصى في الممارسة القضائية، لأنه يعني حكماً لا نهاية له إلا بالموت الطبيعي، حياة كاملة خلف الجدران.

صدى في المجتمع

ما إن نُطق بالحكم حتى عادت أصوات كثيرة تتساءل عن الأسباب التي تدفع شاباً لأن يتحول إلى قاتل. أهي التربية؟ الإدمان؟ هشاشة الوعي؟ أم غياب الردع؟
لكن الأهم من كل ذلك هو أن المجتمع تلقى رسالة واضحة: دماء الأبرياء لا تسقط بالتقادم، والعدالة قادرة على أن تستدرك خطأها إن وقع، وأن ترفع العقوبة حين تقتضي الحقيقة ذلك.

درس يتجاوز الجريمة

قضية أرفود لم تُغلق بإصدار الحكم، بل فتحت الباب أمام أسئلة مؤلمة حول أمن العاملين في المؤسسات التعليمية، وحول ما أصبح يهدد رموز التربية من عنفٍ لفظي وجسدي متصاعد.
إن حماية الأستاذ ليست واجباً مهنياً فقط، بل مسؤولية وطنية تمسّ جوهر العلاقة بين المعرفة والمجتمع.

خاتمة

لقد استرجعت العدالة هيبتها برفع العقوبة إلى المؤبد، لكن المجتمع ما زال مدعواً لأن يسترجع إنسانيته. فحين تُقتل أستاذة في عز عطائها، فالأمر لا يعني أسرة واحدة فقط، بل يعني وطناً بأكمله فقد جزءاً من نوره.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.