مجتمعسياسة

موخاريق يصرخ في وجه سفينة… فهل يصفق لمناورات الأسد الإفريقي؟!

ضربة قلم

لا أحد يُنكر أن النقابة التابعة للاتحاد المغربي للشغل بارعة في كتابة البلاغات، وإن كان يجب منحها جائزة في أي شيء، فهل في فنّ الإنشاء والتضامن الورقي، أم في قدرتها على الدفاع عن حقوق العمال في مواجهة هيمنة الشركات متعددة الجنسيات؟

ها هي تطالعنا اليوم بنداء بطولي موجّه إلى كافة العاملين بميناء الدار البيضاء: “قاطعوا السفينة NEXOE MAERSK!”، لأنها تحمل شحنة من العتاد العسكري متوجهة إلى الكيان الصهيوني. ولأننا، كما يقول بلاغ النقابة، شعب مقاوم، ومسؤول، ورافض للتطبيع بكل أشكاله، فإن على عمّال الميناء أن يتحولوا إلى محقّقي شحنات دوليين، وإلى مقاوِمين بأحزمة ناسفة من نوع جديد: رفض قطر السفن، تموينها، شحنها أو تفريغها.

لكن ما لم تخبرنا به النقابة هو أن تلك الشحنات العسكرية التي تدينها وتلعنها، لا تأتي إلى المغرب خلسة أو تهريبا أو على ظهر جِمال من زمن الاحتلال العثماني، بل تأتي في إطار أكبر تمرين عسكري تشرف عليه القيادة الأمريكية في إفريقيا AFRICOM تحت اسم “الأسد الإفريقي 25″، بمشاركة أكثر من 10 آلاف جندي يمثلون 40 دولة، منها الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، نيجيريا… وإسرائيل.

نعم، إسرائيل. وبلغة أوضح: الجنود الإسرائيليون سيحلّون ضيوفًا على التراب المغربي، فوق ترابه، وبحماية جيشه، خلال شهر ماي، للمشاركة الميدانية في المناورات، كما أعلنت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”، التي لم تنفِ النقابة ما قالته، بل فضلت تجاهله كليًا، وكأن تلك المناورات تجري في جمهورية الخيال العلمي، وليس على أرض المغرب.

فهل نصدق أن السفينة عدو، بينما الطائرات والجنود مجرد تفاصيل؟ هل أصبحت النقابة تظن أن السفينة أشدّ خطرًا من البرّ الذي يستقبل أصحاب الشحنة أنفسهم؟ أليس الأجدر بها أن تفتح بلاغًا موجّها للحكومة المغربية نفسها، التي ترحّب بالمناورات وتؤمن لها الدعم اللوجستي وتفتح لها الأجواء والمجال البحري واليابسة؟

الأدهى أن البلاغ يتحدث عن “مقاطعة عمليات الإرساء، والتموين، والشحن”، بينما يعلم القاصي والداني أن من يقرّر هذه العمليات ليس العامل البسيط بل سلطات الميناء، التي تتلقى تعليماتها من الدولة، وليس من “التضامن النقابي”. فهل حقًا تعتقد النقابة أن عاملاً في قطر السفن سيوقف تحرّك حاملة عتاد دولي؟ أم أن الأمر لا يعدو كونه تسخينًا بلاغيًا لا يُسمن ولا يغني من مواجهة، لكنه يُرضي الضمير النقابي ويروّج لنفسه إعلاميًا؟

الحق يُقال: إن من يقرأ البلاغ، قد يعتقد أن النقابة بصدد تجهيز أسطول بحري لمطاردة السفن الإسرائيلية في أعالي البحار. بينما الواقع أنها عاجزة حتى عن انتزاع زيادة درهمين في أجرة عمّال النظافة داخل الميناء نفسه.

إننا أمام ملهاة مغربية خالصة: النقابة تندد بمرور السفينة، بينما الدولة تستقبل الطائرة. النقابة تتحدث عن “التموين”، بينما الحكومة تُوفّر الأرضية اللوجستيكية للتمرين العسكري. النقابة تغضب لأن شحنة عسكرية تمرّ عبر الميناء، بينما المناورات تجري في وضح النهار وعلى أرض المغرب بشراكة مع الجيش الإسرائيلي.

باختصار، يبدو أن النقابة تضحك على من بقي يؤمن بالبلاغات النقابية في هذا البلد. وربما، في لحظة صدق نادرة، تضحك على نفسها أيضًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.