موسم القطاف الجماعي: رؤوس الجماعات تتساقط قبل الأوان!

ضربة قلم
ها نحن نقترب من موسمٍ انتخابي جديد، والمشهد في الجماعات الترابية بالمغرب يبدو أشبه بحقل فطريٍّ بعد مطرٍ غزير: رؤوسٌ تنبت وأخرى تُقطف، لجان تفتيش تهبط من العاصمة كأسراب نحلٍ لا تعرف الراحة، وعمال الأقاليم صاروا هذه الأيام أكثر انشغالًا من وزراء السيادة أنفسهم.
إنه موسم القطاف، لا العنب ولا الزيتون، بل رؤوس الرؤساء المحليين الذين ظنوا أن ولايتهم خالدة، وأن المحاسبة مجرّد أسطورةٍ تُروى في نشرات الأخبار المسائية.
المفتشية تتحرك… والمجالس تحصي الأنفاس
تتحرك المفتشية العامة للإدارة الترابية وكأنها في سباقٍ مع الزمن، تُفتّش في دفاتر الصفقات، وتُقلب الوثائق المصفّرة التي طالها غبار النسيان. والمجلس الأعلى للحسابات، من جهته، لا ينام، بل يسهر على تتبّع كل درهم خرج من ميزانية الجماعات، حتى صار الرؤساء ينظرون إلى “قضاة الحسابات” كما ينظر التلميذ الكسول إلى مراقب الامتحان.
التقارير تتوالى، والقرارات تنهال: توقيف هنا، عزل هناك، وإحالة على القضاء في مكانٍ آخر. وهكذا تحوّل “الكرسي البلدي” من مقعدٍ مريح إلى مقصلةٍ محتملة.
بين السلطة والانتخابات… لعبة الكراسي الساخنة
المفارقة أن هذه التوقيفات تأتي ونحن على بعد أشهر قليلة من موعدٍ انتخابي جديد. فجأة، صار كثيرٌ من الكراسي شاغرًا، وبعضها مهددًا بالعزل النهائي، فيما طفت إلى السطح أسماء جديدة تتهيأ بدورها لوراثة الكرسي “المحروق”.
تبدو الصورة كأننا في لعبة كراسي موسيقية: الموسيقى هنا هي “تقارير التفتيش”، ومن يتوقف دون كرسي عند توقفها، يُحال إلى المحكمة الإدارية بلا مجاملة.
من يحاسب من؟
الأسئلة تتزاحم: من سيحاكم هؤلاء الرؤساء الذين تهاوت ولاياتهم قبل نهايتها؟
المحاكم الإدارية تحسم في الإعفاءات، والمفتشيات تُعد الملفات، والمجالس الجهوية للحسابات تتابع بالأرقام، لكن المواطن العادي لا يهمه كل هذا التفصيل القانوني؛ ما يهمه هو أن يرى نتيجة ملموسة، لا أن يسمع عن “عزلٍ إداري” يتبعه “ترشحٌ جديد” بعد شهور قليلة.
وإن لم تتم محاكمة هؤلاء قبل الاستحقاقات القادمة، فالأمر لا يعدو أن يكون ضحكًا على الذقون، ما دام المعنيون سيعودون إلى حلبة التنافس دون حياءٍ أو حشمة، وكأن شيئًا لم يكن. حينها سنكون أمام مشهدٍ عبثي عنوانه العريض: “من المراقبة إلى المكافأة”!
نهاية موسم… وبداية موسم آخر
قد يكون ما يجري الآن إشارةً على أن الدولة بدأت تُخرج أوراقها القديمة من الأدراج استعدادًا لتصحيح المسار، وقد يكون مجرد إعادة ترتيبٍ للأوراق قبل الحملة الانتخابية المقبلة. في الحالتين، يبدو أن موسم القطاف لم ينته بعد، وأن كل رئيس جماعةٍ لم يسمع بعد طرقة الباب، عليه أن يُبقي حقيبته جاهزة، فربما وصل دوره في الجولة القادمة.
في النهاية، يبقى الدرس واضحًا:
من جلس على الكرسي البلدي، فليتذكّر أنه ليس عرشًا دائمًا، بل مقعدٌ على صفيحٍ ساخن، ينقلب في أي لحظة… عندما تنتهي الأغنية وتبدأ المحاسبة.




