مجتمع

موظفو الجماعات في مسرحية الحوار القطاعي: النقابات تطالب بالإصلاح والداخلية ترد بإعلان نوايا!

ضربة قلم

ما أجمل أن ترى النقابات تتوجه إلى المديرية العامة للجماعات الترابية وكأنها ذاهبة لطلب يد ابنتها. ترتدي قناع الجدية، وتحمل ملفاتٍ عمرها من عمر الاستقلال الإداري، وتدخل القاعة بنفس الحماس الذي يدخل به المشاهد إلى الجزء الأربعين من مسلسل يعرف نهايته مسبقاً.

المديرية – أو لنقل وزارة الداخلية متخفية في لباس “الحوار” – تجلس على الطرف الآخر من الطاولة كقاضٍ جلس لحكم لا ينوي إصداره. تنصت… أو تتظاهر بذلك. تُسجّل الملاحظات… أو تُقلب الصفحة دون أن تنظر فيها. ثم تخرج بوجه هادئ، تقول فيه للنقابات: “شكراً على التفاعل، ندرس كل المقترحات بجدية”. والمقصود بـ”نُدرس” هنا ليس الفعل في الزمن المضارع، بل في الزمن الميت.

النقابات، وهي من يُفترض أنها تمثل عشرات الآلاف من الموظفين، جاءت مطالبة بتعديلات جوهرية في النظام الأساسي: تعويضات محفزة – لأن الرواتب الحالية تكفي بالكاد لشحن بطاقة النقل، لا لحياة كريمة – وحل الملفات الفئوية التي تحولت إلى ملفات جنائية في حق العدالة الاجتماعية، وعلى رأسها حاملو الشواهد الذين لا يزالون يُعاملون في بعض الجماعات كما يُعامل حامل الخبز في الطابور: ينتظر دوره، وإن أتى.

لكن المديرية، بطريقتها الأنيقة في المماطلة، أوحت للنقابات أن هذا اللقاء هو “الحلقة الأخيرة” من سلسلة حلقات الحوار. والرسالة واضحة: لقد استمعنا، وفهمنا، ولا ننوي فعل أي شيء. والآن، تفضلوا ووقعوا معنا إعلان نوايا. نوايا فقط. لأن التزامات حقيقية تتطلب ميزانية، ورؤية، وجرأة سياسية… وكلها مواد نادرة في السوق الحكومي.

أما النقابات، فقد تفرقت بين من أراد “تجديد الترافع” – تعبير لطيف عن “إعادة تكرار نفس الكلام دون جدوى” – ومن رفض الفكرة برمتها. لكن أيًا يكن، فالجميع خرج من اللقاء وهو يعلم، في أعماقه، أن الأمور ستظل كما هي، وأن الموظف الجماعي سيبقى ذلك المواطن الذي يعمل بصمت، يتذمر في المقهى، ويشارك بيانات النقابة على فيسبوك وهو يعلم أن لا شيء منها سيتحقق.

المضحك المبكي في كل هذا هو أن وزارة الداخلية، وهي التي تتصرف كربّ عمل فوقي، تطالب الآن بتوقيع على “إعلان نوايا” لمواصلة الحوار. أي أن الموظف، الذي لا يملك لا أدوات ضغط حقيقية ولا سلطة قرار، مطالب بأن يُقسم بأنه سيواصل الأمل في حوار لا أمل فيه. باختصار: الوزارة تريد شهادة حسن سيرة وسلوك من موظفين تعبوا من حسن السيرة دون أن يُكافَؤوا بسوء بسيط في صالحهم! وهكذا، تظل الجلسات تدور، والملفات تُرَكّن، والنقابات تُفاوض، والوزارة تُناور، والموظف… ينتظر، في زاوية المسرح، نهاية العرض الذي لا ينتهي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.