مول الشكولاتة وإعفاء السحيمي: عندما يصبح التعليم مختبر تجارب للقرارات العشوائية!

ضربة قلم
ها نحن مجددًا أمام ملحمة جديدة من ملاحم “مول الشكولاتة”، الوزير الذي يثبت يومًا بعد يوم أنه متخصص في فن “الهروب إلى الأمام”، كلما تعقدت الأمور في وزارته الموقرة. هذه المرة، قرر أن يتخلص من الكاتب العام للوزارة، يونس السحيمي، وكأن هذا الأخير هو سبب كل العلل التي تعاني منها منظومة التعليم، وليس السياسات العرجاء والتدبير الهاوي الذي يغرق فيه قطاع التربية الوطنية.
“تدبير بلا حسابات سياسية”؟ شكون يتيق؟
بالطبع، خرجت الوزارة بتبرير كلاسيكي يفيد أن الإعفاء “مجرد مسألة تدبيرية”، ولا علاقة له بأي حسابات سياسية. بالله عليكم، متى كانت الإعفاءات الوزارية في هذا البلد تتم دون خلفيات سياسية؟ هل نزل علينا فجأة عصر الملائكة حيث تُتخذ القرارات فقط بناءً على معايير النجاعة والكفاءة؟ لو كان الأمر كذلك، لكان من الأولى أن نرى إعفاءات أخرى تمس رؤوسًا أكبر، ممن يتقنون فن التمويه وترويج الوعود الفارغة.
لكن الواقع يقول إن إعفاء السحيمي جاء في توقيت شديد الحساسية، تمامًا بالتزامن مع احتقان الشارع التعليمي، وإضرابات الأساتذة، واحتجاجات لا يبدو أنها ستتوقف قريبًا. إذن، هل هو مجرد “إجراء إداري”، أم محاولة يائسة لامتصاص الغضب وإيجاد “كبش فداء” يُلقى إليه باللوم على اختلالات النظام الأساسي؟
الحوار الاجتماعي: “كُتِبَ علينا الذل والهوان“
منذ شهور، يتابع رجال ونساء التعليم مسلسلًا مملًا اسمه “الحوار الاجتماعي”، حيث يجلس ممثلو الوزارة مع النقابات، ثم يخرجون بعد كل اجتماع بنفس العبارات الفضفاضة: “اتفاق في الأفق”، “مزيد من الحوار”، “استجابة جزئية للمطالب”، وكأنهم يبيعون الأوهام بالتقسيط المريح.
أما الوزير، فكلما احتد الضغط، اختفى مثل الساحر، تاركًا جيشه من المدراء والمسؤولين يحاولون تهدئة العاصفة. لكن العاصفة لم تهدأ، بل على العكس، تحولت إلى طوفان من الغضب، خصوصًا مع ما يصفه الفاعلون التربويون بأنه “تنصل من الوعود” و”تراجع عن الاتفاقات السابقة”.
ثم يأتي الإعفاء الأخير ليزيد الطين بلة. فالرجل الذي كان أحد المفاوضين على هذا النظام الأساسي طُرد بطريقة مفاجئة، بينما بقيت الفوضى سيدة الموقف، وكأن الوزارة تعاني من متلازمة “اضرب المساعدين واترك القائد”.
“الحضاية” والخدّام المخلصون
المثير في الأمر هو أن الكاتب العام المعفى لم يكن وحده في ميدان المعركة، بل كان إلى جانبه فريق من “الحضاية”، المخلصين للوزير، الذين كانوا يُبلّغونه بكل صغيرة وكبيرة في الاجتماعات. هؤلاء لم يطالهم أي إعفاء، مما يطرح تساؤلات كثيرة: هل كان السحيمي مجرد “واجهة” تُحمل مسؤولية كل الإخفاقات، بينما الخيوط الحقيقية تُحرك في مكان آخر؟ أم أن هناك صراعات داخلية بين أجنحة الوزارة انتهت بتقديمه قربانًا على مذبح “النجاعة الوهمية”؟
الحلقة المفرغة: من القادم في طابور الإعفاءات؟
إعفاء بعد إعفاء، أزمة بعد أزمة، والغريب أن الوزير لا يزال في منصبه، وكأن وزارته سفينة تغرق لكنه يصر على العزف على قيثارته وكأن شيئًا لم يكن. هل سيكون هناك إعفاء جديد في الأسابيع القادمة؟ هل سيختار الوزير ضحية أخرى ليحملها مسؤولية تعثر “المنظومة”؟ أم أن “الحوار الاجتماعي” سيتحول إلى مجرد مسرحية سيئة الإخراج، حيث يتظاهر الجميع بأن الأمور تحت السيطرة، بينما الواقع يقول عكس ذلك؟
“كلمة أخيرة إلى مول الشكولاتة”
إذا كنت تعتقد أن إعفاء المسؤولين واحدًا تلو الآخر سيحل الأزمة، فأنت واهم. فالمشكلة ليست في الأسماء التي تذهب وتأتي، بل في السياسات العقيمة والقرارات المرتجلة التي تجعل قطاع التعليم المغربي أشبه بحقل تجارب لا ينتهي. وبدل أن تفكر في إعفاء الكاتب العام، كان الأولى أن تفكر في إعفاء نفسك، لأنك حتى الآن لم تقدم شيئًا يُذكر سوى سلسلة من الأزمات والمشاكل التي تتراكم دون حل.
لكن لا بأس، طالما أن لديك “الحضاية” الذين يُبلغونك بكل شيء، فلا خوف عليك، على الأقل إلى حين تأتي موجة جديدة من الغضب، قد لا تكفي فيها كل الإعفاءات في الدنيا لتهدئة الوضع.