ميسي يَدنو من التقاعد… ولا أيّ تقاعد!

ضربة قلم
في نهائي كوبا أمريكا 2024، وبينما كانت الجماهير الأرجنتينية والعالمية تنتظر عرضًا جديدًا من عروض الساحر ميسي، جاءت اللحظة التي خشيها الجميع:
في الدقيقة 64، توقّف ميسي فجأة. نظرة ألم، حركة بطيئة، وخروج صامت نحو دكّة البدلاء. جلس على المقعد، ووضع يده على ركبته المتعبة، ثم غطّى وجهه.
لم يكن الألم فقط في العضلة، بل في ذلك الشعور الثقيل: الزمن لم يعد في صالحه.
هذه لم تكن مجرد لحظة رياضية. كانت لحظة وعي جماعي بأن الأسطورة، كما الجسد، له نهاية.
🔹 تقاعد؟ لا، بل انسحاب الشمس ببطء
ليونيل ميسي لا يُشبه أحدًا، لذلك لا يُمكن لتقاعده أن يكون كسائر اللاعبين.
هو أكثر من لاعب: هو رواية كروية متكاملة، هو التفاصيل الصغيرة في كل ملعب، هو من جعل الملايين يؤمنون بأن الفن قد يكون حذاءً مُربوطًا بخيطين، وقدمًا ترفض التوقف عن العطاء.
حين ينسحب ميسي، لا يُعلن اعتزالًا فقط، بل يُغلق فصلًا من فصول كرة القدم لا يُمكن استنساخه.
🔹 من باريس إلى ميامي… والنبض ما زال مستمرًا
حين انتقل إلى إنتر ميامي، لم يكن ميسي يهرب من المنافسة، بل كان يبحث عن هدوء ما بعد العاصفة.
أراد لنفسه مساحة يواصل فيها العطاء دون ضغط أوروبي خانق.
ومع ذلك، لم تتركه الإصابات في حاله. تكرّرت الغيابات، تراجع النسق، وبدأ الإعلام يسأل: هل بات الاعتزال أقرب مما نتصور؟
ورغم ذلك، لم يفقد ميسي شهيته للعب. ما زال يدخل الملعب كطفل لا يملّ من الكرة، رغم علمه أن الوقت لا يعود.
🔹 القميص الأبيض السماوي… خط الرجعة الأخير
رغم كل شيء، ظل ميسي وفيًا للأرجنتين، يقاتل من أجل قميصه، ويمسح العرق بكرامة.
قالها مرة:
“اللعب لمنتخب بلادي حلم لم يتوقّف.”
حتى وهو يعاني، فضّل أن يُشارك في كوبا أمريكا الأخيرة. لم يكن جسده في أفضل حالاته، لكن قلبه كان في أوج عطائه.
جلوسه في نهائي البطولة على دكّة الإحتياطيين، بعد إصابة أنهكته، كان لحظة مؤثرة لكل من رأى الدموع في عينيه.
ذلك المشهد وحده، كان درسًا في الشغف والولاء.
🔹 هل يعتزل الكبار؟ أم يُعيدون اختراع أنفسهم؟
لا أحد يعرف متى سيتخذ ميسي القرار الكبير. لكن الأكيد أن رحيله سيكون أكثر من لحظة وداع.
سيكون حدثًا عالميًا، نفسيًا، ثقافيًا، رياضيًا، عاطفيًا…
لأن رحيل ميسي لا يعني فقط مغادرة لاعب، بل مغادرة زمن.
ولن يكون الأمر سهلًا. لا على محبيه، ولا على اللعبة ذاتها، التي فقدت من قبل لاعبين عظماء، لكنها لم تفقد “ميسي” من قبل.
🔹 ماذا بعد؟ من يرث السحر؟
ظهر كثيرون، حاولوا السير على خطاه، قلّدوا أسلوبه، أحرزوا أهدافًا تشبه تلك التي أحرزها…
لكن لم يتمكن أحد من ارتداء جلده.
لأن ميسي لم يكن مجرد موهبة. كان صبرًا، ومثابرة، ودموعًا، وتواضعًا قلّ نظيره.
🔹 في الختام: حين تتقاعد الأعجوبة
حين يتوقّف ميسي، سيتنفس جسده راحة… لكن قلبه سيظل هناك، في كل ملعب، في كل هدف، في كل طفل يحلم أن يكون مثله.
وحين نقول إن ميسي يقترب من التقاعد، فنحن لا نتحدث عن نهاية مهنية، بل عن خروج الشمس من النهار، ببطء، دون أن تختفي من السماء.
ميسي لا يعتزل، بل يُخلِّف أثرًا لا يزول… ويدعونا نحن، محبيه، إلى أن نُكمل الطريق، بنفس الشغف، وبكثير من الامتنان.