نبيل باها: مدرب أم زعيم حي شعبي؟

ضربة قلم
يا لها من لحظة، لحظة دخل فيها نبيل باها التاريخ، لكن ليس بالطريقة التي كنا نتوقعها. فقد خرج الرجل من المباراة بأكثر من مجرد فوز في النتيجة؛ خرج معها بفضيحة من العيار الثقيل، وتحدى جميع الأعراف الكروية والإنسانية في آن واحد. كان الجميع يترقب اللقاء بين المنتخب المغربي للناشئين ونظيره الجنوب إفريقي، والذي شهد فوزاً ساحقاً للمغرب بثلاثة أهداف مقابل هدف واحد، وكأن الجمهور لا يهمه غير النتيجة. لكن ما حصل أثناء المباراة كان أكثر غرابة من سيناريوهات الأفلام.
قبل أن نغرق في بحر أحداث المباراة، لنذكر قليلاً بما كان قبلها. ففي تلك اللحظات الحاسمة، كان جمهور الملعب مشتعلاً، وعصبيته في أقصى درجاتها بسبب المستوى الباهت الذي أظهره نجل المدرب. نعم، ابن المدرب الذي لم يكن خلال بعض أطوار المباراة في مستواه. ثم جاءت لحظة الهدف الثاني الذي أحرزه نفس اللاعب الشاب، وكانت تلك هي الشرارة التي أشعلت الفتيل. ما الذي فعله نبيل باها في تلك اللحظة؟ ابتسم. ولكن ليست ابتسامة العزاء أو الفرح البريء، بل كانت ابتسامة “المتهم”، تلك التي تظهر حين يعلم الشخص أنه قد تعرض لفخٍ ما، أو أن الأمور بدأت تخرج عن السيطرة.
فجأة، وفي مشهد لا يخلو من الدراما، جاء الرد الذي ما كان يجب أن يكون. المدرب الذي يفترض أن يكون قدوة للشباب ولعشاق المنتخب، رفع يده فجأة مخاطبًا الجمهور الذي كان يصرخ احتجاجًا على أداء نجل المدرب. يده كانت تعني: “اصمتوا، لا تتكلموا، ماذا تعرفون عن كرة القدم؟”. كأنه كان في زاوية إحدى أزقة الأحياء الشعبية في أوروبا، حيث يختلط الشجار والتحدي والاعتداد بالنفس دون أي حدود. نعم، كان أشبه بمشجع متحمس يقف في المدرجات، ليس مدربًا يوجه شباب المستقبل.
ألم يكن في حسبان نبيل باها أن الجمهور الذي انتقد نجل المدرب لم يكن يهتف ضده بشكل شخصي، بل كان يوجه انتقادًا لأداء لم يكن في المستوى؟ ألم يكن يتصور أن هذا هو نفسه الجمهور الذي سيقف خلف المنتخب في الأوقات العصيبة؟ يبدو أن باها قرر أن يعيد تعريف مصطلح “الاحتراف” بمعايير فوضوية، ويقلب طاولة الموازين في اللحظة التي كان يفترض أن يظل فيها هادئًا وراشدًا.
إن رفع يده في تلك اللحظة لم يكن مجرد رد فعل عابر. كان رسالة مشفرة للجمهور: “أنا هنا لأدير الأمور بالطريقة التي أراها، ولا يهمني ما تظنون”. في تلك اللحظة، بدا كأنه في صراع مع نفسه، محاولًا إثبات شيء لا علاقة له بالكرة، بل بإثبات السيطرة، حيث أن كرة القدم ليست سوى أداة في يده ليرسل من خلالها رسائل قد تكون بعيدة كل البعد عن الرسالة الحقيقية للرياضة.
ولننسَ نجل المدرب. ليس لأن القضية لم تعد تخصه، بل لأن الأمر أصبح متعلقًا بإشكالية أكبر بكثير. فهل هذا هو النموذج الذي نريد أن يُقدم لشبابنا؟ أن يكون الرد على الانتقاد “اصمتوا، أنتم لا تفهمون؟”. ننتظر من المدربين أن يكونوا قدوة في الحكمة والصبر، ولكن ما حدث كان العكس تمامًا.
في النهاية، أظهر نبيل باها بما لا يدع مجالًا للشك -واللقطة تبث في دول كثيرة- أنه لم يكن في مباراة كرة قدم فقط، بل كان في اختبار صعب يتعلق بالتواضع والقدرة على التعامل مع الانتقاد. وإذا كانت الكرة تعلم شيئًا، فهي تعلم أن التواضع في اللحظات الصعبة هو ما يصنع الأبطال، لا الرفعة التي تظهر في لحظات النشوة.