نحو نظام قضائي أكثر توازناً: الحكومة المغربية تراجع الإطار القانوني للقضاة وسط دعوات لتحسين الوضع المهني والاجتماعي

ضربة قلم
في خطوة تشريعية جديدة تستهدف ملاءمة الإطار القانوني المنظم لمهنة القضاء مع التحولات الاجتماعية والحقوقية التي يعرفها المغرب، تعكف الحكومة المغربية حاليًا على مراجعة وتعديل القانون التنظيمي رقم 106.13 المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة، وذلك من خلال مشروع القانون التنظيمي رقم 25.09، الذي صادق عليه المجلس الوزاري خلال دورة منتصف ماي 2025، قبل أن يُعرض لاحقًا على أنظار مجلس الحكومة.
مراجعات قانونية تطال مواد محورية
وفقًا للمعطيات الرسمية الصادرة عن رئاسة الحكومة، فإن مشروع التعديل يشمل إعادة النظر في المواد 59 و67 و68 و69 من القانون التنظيمي رقم 106.13. وهذه المواد تُعنى أساسًا بتأديب القضاة، حالات التوقيف المؤقت، وكذا القواعد المتعلقة بالمسؤولية المهنية.
في التفاصيل:
-
المادة 59 تتعلق بالإجراءات التأديبية، وتنص على الحالات التي يمكن فيها للمجلس الأعلى للسلطة القضائية اتخاذ إجراءات تأديبية ضد القضاة الذين يرتكبون أخطاء مهنية أو إخلالات جسيمة بواجباتهم.
-
المادة 67 تهم وضعيات القضاة المؤقتة، خاصة فيما يتعلق بالإلحاق أو التوقيف المؤقت عن العمل.
-
المادة 68 و69 تحددان شروط التوقيف المؤقت والآجال التي يجب احترامها في إطار مسطرة التأديب.
ومن المقرر أن تنتهي لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب من استقبال مقترحات التعديل من مختلف الفرق البرلمانية اليوم الأربعاء 11 يونيو 2025.
حقوق اجتماعية جديدة: رخصة الأبوة والكفالة تدخل حيّز الاعتراف القضائي
الأهم في هذه المراجعة التنظيمية هو إدراج مقتضيات اجتماعية وإنسانية طال انتظارها داخل المنظومة القضائية، من أبرزها استحداث مادتين جديدتين: المادة 71 مكررة و71 مكررة مرتين.
-
تنص المادة 71 مكررة على منح القاضي، الذي يُرزق بمولود، رخصة أبوة مؤدى عنها مدتها خمسة عشر يومًا متصلة، تسري ابتداء من تاريخ ولادة الطفل.
-
أما المادة 71 مكررة مرتين فتمنح نفس الحق للقاضي الذي أُسندت إليه كفالة طفل يقل عمره عن 24 شهرًا، وفقًا للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل.
مكتسبات للمرأة القاضية: نحو مقاربة نوع أكثر عدالة
في انسجام مع المقتضيات الدستورية التي تنص على المساواة بين الجنسين، تُعزز التعديلات المقترحة حقوق المرأة القاضية، بمنحها رخصة ولادة مدتها 14 أسبوعًا بأجر كامل، كما تستفيد من رخصة موازية في حالة كفالة طفل يقل عمره عن 24 شهراً.
علاوة على ذلك، تستفيد القاضية من رخصة خاصة للرضاعة اليومية لمدة ساعة، تُمنح مباشرة بعد استنفادها لرخصة الولادة أو الكفالة، في خطوة تروم تسهيل التوفيق بين الحياة المهنية والأسرية.
السياق السياسي والنقاشات البرلمانية
شهدت لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان، خلال اجتماعها الأخير، مداخلات من فرق الأغلبية عبّرت فيها عن دعمها لمضامين المشروع، مؤكدة على “ضرورة الرقي بالوضع المادي والمهني للقضاة، في انسجام مع مبدأ استقلالية السلطة القضائية المنصوص عليه في الفصل 107 من دستور المملكة”.
من جهتها، بدت المعارضة أكثر تحفظاً، إذ نقل مصدر من أحد فرقها أن “النية لا تتجه نحو تقديم تعديلات جوهرية على النص، بالنظر إلى أن التوافق السياسي حاصل مسبقًا في إطار المجلس الوزاري”.
إشكاليات مطروحة: هل تكفي الرخص الاجتماعية وحدها؟
بالرغم من أن المشروع الجديد يُعتبر خطوة إيجابية في اتجاه تحسين الظروف الاجتماعية للقضاة، يطرح مراقبون تساؤلات عميقة حول مدى قدرة هذه التعديلات على الاستجابة لمطالب الهيئات القضائية بخصوص الأجور، التعويضات، وظروف العمل داخل المحاكم المغربية.
جدير بالذكر أن دراسة أنجزتها الودادية الحسنية للقضاة سنة 2022، أشارت إلى أن أكثر من 68% من القضاة عبّروا عن عدم رضاهم عن نظام التعويضات الحالي، وخاصة في ما يتعلق بتكاليف التنقل والتمثيلية في المناطق النائية.
خلاصة
إن مراجعة النظام الأساسي للقضاة ليست فقط مسألة قانونية أو إدارية، بل تُعد ورشًا مفتوحًا لإعادة الاعتبار إلى السلطة القضائية، وتحقيق التوازن بين متطلبات الاستقلال، وحقوق القضاة الاجتماعية والمهنية. وبينما قد تبدو التعديلات المرتقبة “تجميلية” في أعين البعض، فإن إدراج رخص الأبوة والكفالة لأول مرة في تاريخ القضاء المغربي يمثل تحولًا نوعيًا في المقاربة القانونية، تستحق المتابعة والتقييم بعد دخولها حيّز التنفيذ.




