نوبل 2025: صفعة دبلوماسية في وجه ترامب وحلفائه

ضربة قلم
فوز المعارضة الفنزويلية ماريا كورينا ماتشادو بجائزة نوبل للسلام لعام 2025 لم يكن حدثًا عاديًا في سجل الجوائز العالمية، بل لحظة سياسية مكثفة حملت أكثر من دلالة، وأرسلت رسائل مباشرة إلى قادة العالم، وعلى رأسهم دونالد ترامب، الذي بنى جزءًا من خطابه السياسي على انتقاد المؤسسات الدولية واتهامها بالتحيز والانحياز إلى “النخب العالمية”.
فالجائزة التي منحتها لجنة نوبل النرويجية “لشجاعة استثنائية في النضال من أجل انتقال سلمي وديموقراطي في فنزويلا”، تتجاوز مجرد تكريم فردي، لتتحول إلى بيان سياسي ضد موجة الشعبوية اليمينية التي عادت لتكتسح الخطاب الدولي، وتحديدًا في أميركا اللاتينية التي أصبحت ساحة اختبار بين نفوذ واشنطن التقليدي وصعود قوى جديدة تحاول إعادة تعريف السلطة والحرية.
ماريا كورينا: أيقونة مقاومة أم ورقة غربية؟
ماريا كورينا ماتشادو، التي عاشت الأشهر الأخيرة في الخفاء تحت التهديد والملاحقة، ليست مجرد معارضة سياسية عادية. إنها تمثل صورة المرأة اللاتينية التي خرجت من دائرة الصمت إلى موقع القيادة. فبعد أن حصدت أكثر من 90% من أصوات المعارضة في الانتخابات التمهيدية لعام 2023، أصبحت تُلقب بـ”المحرّرة” تيمناً بسيمون بوليفار، رمز التحرر في القارة الجنوبية.
لكن خلف هذا البريق الإنساني تختبئ لعبة أكبر: الغرب، الذي طالما اتُّهم بازدواجية المعايير، وجد في ماتشادو رمزًا مثاليًا لتجديد خطابه الديمقراطي، في مواجهة أنظمة تصف نفسها بالممانعة لكنها تعيش على قمع الأصوات الحرة. إنها امرأة تحمل خطابًا قويًا، لكنها أيضًا أداة لإعادة صياغة التوازن في فنزويلا بعد سنوات من التوتر مع واشنطن.
الصفعة الرمزية لترامب
أما “الصفعة” التي تلقاها دونالد ترامب فهي مزدوجة:
من جهة، تأتي الجائزة كتحدٍّ لنهجه الانعزالي الذي طالما قلّل من أهمية المؤسسات الدولية، ومن جهة أخرى، فهي تعيد الاعتبار إلى فكرة “القيم الليبرالية” التي لطالما سخر منها ترامب ومناصروه.
في العمق، ما فعلته لجنة نوبل هو إعادة الاعتبار إلى القوة الناعمة الغربية التي تضررت بشدة خلال عهد ترامب، حين تحولت لغة البيت الأبيض إلى شعارات صدامية ومواقف تجارية بحتة.
اليوم، وبينما يطمح ترامب إلى العودة إلى السلطة، تأتي الجائزة لتذكّره بأن العالم لا يُدار فقط بالقوة، بل أيضًا بالرمزية، وأن “الديمقراطية” لا تزال سلعة معنوية لها جمهور واسع في القارات المنهكة من الاستبداد.
أوسلو تقول كلمتها
عندما قال رئيس لجنة نوبل يورغن واتنه فليدنس إن ماريا كورينا “قدّمت مثالاً استثنائيًا على الشجاعة في النشاط المدني”، لم يكن يصف فقط مسار امرأة تواجه الديكتاتورية، بل كان يرسم صورة مضادة للقادة الذين يسعون لإخضاع المؤسسات الدولية لإرادتهم.
في لحظة يشتد فيها الخطاب القومي في أميركا، والبروباغندا الشعبوية في أوروبا، يبدو أن أوسلو أرادت أن تذكّر العالم بأن “السلام” لا يعني الحياد، بل اختيار الانحياز إلى الشجاعة في مواجهة الخوف.
بين بوليفار وترامب… خط رفيع
الجائزة لم تكن فقط لفنزويلا، بل للعالم الذي يعيش أزمة في معنى الحرية ذاته.
بين سيمون بوليفار الذي حرّر القارة، وماريا كورينا التي تحاول تحرير السياسة من الخوف، يقف ترامب كرمز لنقيض هذا المسار: الزعيم الذي يستهزئ بالمؤسسات ويقدّس الفردانية إلى حدّ الفوضى.
ولذلك، فإن نوبل هذا العام لم تكتف بتكريم امرأة، بل وجّهت صفعة فكرية إلى أنصار التسلط الجديد، ورسالة بأن الشعوب لا يمكن أن تُختزل في شعارات انتخابية أو حملات كراهية.
خلاصة المشهد
ماريا كورينا ماتشادو ليست فقط الفائزة بجائزة نوبل، بل هي عنوان لصراع رمزي بين عالمين:
عالم يسعى إلى استعادة مكانة القيم، وعالم آخر يعيش على استثمار الخوف والغضب.
وفي هذا الصراع، كانت الجائزة بمثابة “صفعة دبلوماسية” أعادت ترتيب المشهد، وأكدت أن الضمير الدولي لا يزال قادراً على المقاومة، حتى حين يتخفّى خلف رمزية امرأة تعيش في السر، وتحلم بفنزويلا حرة.
ولعل لجنة نوبل لخّصت كل هذا المسار الإنساني والسياسي في جملة واحدة قالت فيها:
“She has demonstrated exceptional courage in the fight for a peaceful and democratic transition in Venezuela.”
— María Corina Machado, 2025 Nobel Peace Prize
الترجمة إلى العربية:
«لقد أظهرت شجاعة استثنائية في النضال من أجل انتقال سلمي وديمقراطي في فنزويلا.»




