هروب الإسرائيليين من إسرائيل بسبب الحرب: حين يُكشَف زيفُ “الانتماء”

ضربة قلم
في الوقت الذي تتفاقم فيه الحرب على أكثر من جبهة، ومع تزايد القصف وعمليات الرد، يختار عدد متزايد من الإسرائيليين حزم حقائبهم ومغادرة البلاد. مشهد يُعيد طرح أسئلة جوهرية حول عمق الانتماء، وصدق المشروع الصهيوني الذي وعد أتباعه بـ”الوطن الآمن”. فهل الهروب من المواجهة قرار عقلاني أم سلوك جبان يكشف هشاشة العقيدة والانتماء؟
انكشاف شعار “الوطن الآمن“
لأكثر من سبعة عقود، رُوِّجت إسرائيل كدولة قوية، آمنة، توفر الحماية لكل يهودي، مهما كان موقعه. لكن الوقائع على الأرض، خاصة بعد توالي الصدمات العسكرية، أظهرت هشاشة هذا الخطاب، وأفرزت ظواهر صادمة، أبرزها: هروب السكان من مناطق الشمال والجنوب، بل ومن قلب المدن الكبرى.
الهروب: جبنٌ لا يليق “ببلدة” تزعم “القوة“
بعيدًا عن الأعذار الجاهزة من قبيل “الخوف على الأبناء” أو “البحث عن الأمان”، يبقى أن الهروب من “الوطن” في أوقات الشدة لا يُبرَّر. فحين تكون الحرب مشتعلة، يكون الوطن في أمسّ الحاجة إلى من يدافع عنه، لا من يتركه فريسة للقدر.
إنها لحظة يُقاس فيها صدق الانتماء: فإما أن تبقى وتواجه، أو تهرب وتفضح هشاشة ولائك.
أبعاد الظاهرة:
- هروب من المشروع وليس من الحرب فقط:
كثيرون ممن غادروا لم يغادروا خوفًا من القنابل، بل لأنهم فقدوا الإيمان بفكرة “إسرائيل الحامية”. إنهم يهربون من مشروع سياسي فاشل في نظرهم، وليس من معركة عسكرية فقط. - سلوك فردي يُضعف الجبهة الداخلية:
حين يهرب الطبيب، أو المهندس، أو المقاول، فإنه لا يخلّف وراءه فقط منزلًا، بل يترك فراغًا في البنية الاجتماعية والاقتصادية، ويؤثر سلبيًا على المعنويات الجماعية. - ازدواجية الخطاب:
من جهة، يتفاخر الإعلام الإسرائيلي بالقبة الحديدية والردع العسكري، ومن جهة أخرى، يفرّ المواطنون إلى الخارج، ويعترفون ضمنيًا بأن “دولتهم” غير قادرة على حمايتهم.
من “وطن مقدّس” إلى مفرّ آمن؟
المفارقة المؤلمة أن كثيرًا من هؤلاء الهاربين جاؤوا إلى إسرائيل من دول كانت آمنة نسبيًا، ثم ما لبثوا أن قرروا العودة إليها، أو إلى بلدان أخرى أكثر استقرارًا. فهل كانت الهجرة إلى “أرض الميعاد” مجرد رحلة خاطئة؟ وهل انكشف الوهم بعد أول اختبار حقيقي؟
خاتمة: الولاء يُقاس ساعة الخطر، لا ساعة الراحة
لا يُقاس انتماء الإنسان لوطنه بما يملكه من شعارات، بل بموقفه حين يُدعى للدفاع عنه. أما أن يغادره ساعة الحاجة، فذلك لا يسمى عقلانية، بل جبنٌ أخلاقي، وخيانة للمبدأ، وسقوط للادّعاء.
وفي النهاية، من يهرب من “أرضه” في لحظة الخطر، لا يكشف فقط عن جبنه، بل يعترف ضمنًا بذنوب الاعتداءات التي طالت أرض فلسطين وشعبها.




