هل أتاكم حديث أطفال الحجارة في الدار البيضاء؟!

ضربة قلم
في مشهد آخر من مشاهد “الفرجة المغربية”، حيث لا تنتهي الإثارة عند صافرة الحكم، بل تبدأ بعدها بطولة موازية، أخرجت الجماهير السيناريو البديل لما بعد نهاية مباراة الوداد البيضاوي والجيش الملكي، وكأن الهدفين مقابل هدف لم تكفِ لإشباع نهم الفرجة، فقرر البعض أن يواصل العرض على الرصيف وفي الأزقة المجاورة، تحت رعاية “الإبداع الشعبي الغاضب” وتحت تصفيقات الحجارة المتطايرة يمينًا وشمالًا. مباراة الكلاسيكو؟ لا يا سادة، هذه كانت مجرد مقدمة افتتاحية، أما العرض الحقيقي فقد بدأ عندما انتهى كل شيء رياضي وبقي “الضجيج”.
وتخيلوا معي الأمر: أنصار الجيش والوداد، وجهاً لوجه، لا يفصل بينهما لا عشب الملعب ولا قوانين الفيفا، بل فقط مساحة صغيرة تسمى “الشارع المغربي”، حيث القانون أحياناً يُرمى مع أول حجر. الحجارة؟ نعم، الحجارة… تلك العملة الصلبة التي ما زالت تُستعمل في بعض الأحياء كشكل من أشكال التعبير الفني العنيف. وتبدأ سيمفونية الشغب، صوت “طراخ” يتبعه “وااه ضربني”، قبل أن تتدخل الشرطة لتوزع الأدوار، فتعتقل هذا وتُطارد ذاك، وسط جمهور نصفه يصور بالهواتف والنصف الآخر يتساءل: “شنو وقع؟”.
وهنا نتوقف للحظة لنتأمل: ماذا لو كانت هذه الطاقة الهائلة من الغضب والاندفاع تُستثمر في شيء آخر؟ ماذا لو تم تحويل مشهد التراشق إلى عرض مسرحي تعبيري؟ تخيّلوا مثلاً عرضاً بعنوان: “حجرة في القلب، حجرة في الرأس”، بطولة جماهير مغربية تُجسّد واقع الانقسام والانتماء والخذلان والانتصار… كلها في مشهد واحد. لكن لا، نحن نفضل المدرسة الواقعية: نرشق لنُعبّر، نحطم لنُشعر، نكسر الزجاج لأن شباك الخصم كان محصناً.
ثم تأتي البلاغات الرسمية، النشرة المسائية تقول “تم اعتقال بعض المتورطين”، وهي جملة أصبحت من تراثنا الأمني الثابت. البعض؟ من؟ لا يهم. المهم أن الدولة حاضرة، تشاهد معنا، تتدخل أحياناً، وتربت على الكتف الأخرى: “برافو، دير شي نهار آخر”. كأنها تترك الباب مفتوحاً للجولة القادمة، الكلاسيكو المقبل، حيث سيتواجه الفريقان مجدداً في الملعب، بينما جماهيرهم تستعد للركح الميداني بالخارج، مع فرقها الخاصة في الرشق والكرّ والفرّ.
المفارقة الساخرة أن بعض هؤلاء المشاغبين قد لا يعرف حتى تشكيلة فريقه، لكنه مستعد للموت دونه. قد لا يعرف من هو مدربه، لكنه يعرف جيدًا مكان تكديس الحجارة قبل بداية المباراة. وهناك فئة أخرى، تشعر بأنها تشارك في معركة وطنية، لا فرق لديها بين الفوز والخسارة، لأنها تؤمن أن الشغب هو انتصار شخصي، ردٌّ على حياة لا تهديه غير الهزائم.
في النهاية، نغلق هذا الفصل كما نغلق عادة كل ملف: بمزيج من السخرية والحزن. نضحك لأن الوضع هزلي، ونحزن لأننا نعلم أنه لن يتغير قريبًا. أما الكلاسيكو القادم، فربما لن يكون في ملعب محمد الخامس، بل في أي زنقة من أزقة اللامنطق، حيث الحَكَم لا يحمل صافرة، بل يركض أيضًا لينجو برأسه.
هل تظن أن جمهورنا بحاجة إلى كرة قدم حقيقية أم مجرد ذريعة للتنفيس؟