دفاتر قضائية

هل تسعف هيئة المحامين بمراكش زميلها قبل أن تُقفل أبواب الالتماس؟

ضربة قلم

في مغرب يُفترض أن مهنة المحاماة جزء لا يتجزأ من صيانة العدالة، تابع الرأي العام بذهول قضية محامٍ ينتمي لهيئة مراكش، وجد نفسه في قلب عاصفة لا تشبه أبدا ما درج الناس عليه حين يتعلق الأمر برجال القانون. كل شيء بدأ حين تسرب مقطع فيديو صادم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يوثق لحظة اعتقاله وهو في حالة انهيار عصبي ظاهر، مكبل اليدين، يصرخ ويتفوه بعبارات اعتبرت إهانة للدين والملك ورجال الأمن. كان المشهد جارحًا أكثر مما كان إخباريا، وقد خُيل لكثيرين أن الأمر مدبر بإحكام لتأديب من تجرأ على تجاوز الخطوط الحمراء، أو على الأقل لتلقين الجميع درسًا مفاده أن لا أحد فوق العقاب العلني.

السرعة التي تم بها التعامل مع الملف كانت لافتة، حيث عرض الرجل بسرعة أمام أحد نواب وكيل الملك، ثم تقرر اعتقاله احتياطيا ومتابعته بتهم ثقيلة بينها السكر العلني، إهانة موظفين عموميين، سب الذات الإلهية، والمساس بالمقدسات الوطنية. وحين تتراكم التهم بهذا الحجم، يصبح النقاش حول الانفلات اللفظي أو الظروف المحيطة بالحادث أقل أهمية من النقاش حول أسلوب التعاطي مع شخص فقد السيطرة على تصرفاته بفعل حالة غير طبيعية. لا أحد ينكر أن ألفاظ المحامي كانت فادحة، ولا أحد يستهين بخطورة المس بالمقدسات، لكن تسريب الفيديو وتحويل الحادث إلى فضيحة رقمية يتجاوز فكرة تطبيق القانون إلى فكرة التنكيل الجماهيري، في زمن تحكمه الصور السريعة أكثر مما تحكمه قواعد المحاكمات العادلة.

اليوم، تجددت فصول القضية مع قرار المحكمة الابتدائية بمراكش تأجيل النظر في الملف إلى غاية جلسة 5 ماي المقبل، بعدما التمس دفاع المحامي مهلة إضافية للاطلاع على الوثائق وإعداد الدفاع. الدفاع الذي طالب أيضا بتمتيع موكله بالسراح المؤقت، مؤكدا أنه يتوفر على كافة الضمانات القانونية للحضور، لكنه اصطدم برفض المحكمة لهذا الطلب، ما يعني أن المتابعة ستستمر في حالة اعتقال. الجديد أيضا أن النيابة العامة طلبت إضافة تهمة جديدة تتعلق بإهانة هيئة منظمة إلى باقي التهم الثقيلة التي تلاحق الرجل، استنادا إلى مضمون المقطع الذي بات أشهر من أن يعرف.

في معرض الاستماع إليه بمحضر رسمي، حاول المحامي التقليل من فداحة الموقف عبر التأكيد أن ما صدر عنه كان تحت تأثير فقدان الوعي الناتج عن السكر المفرط، مجددا احترامه العميق للمؤسسات والمقدسات، كما أشار إلى أنه كان ضحية اعتداء وسرقة في الشارع العام من طرف مجهولين، مطالبا بفتح تحقيق جدي في هذه الوقائع. وبين دفوعات الدفاع ومرافعات النيابة، ظل سؤال الكرامة عالقا بلا جواب مقنع: هل كان ضروريا تسريب مشاهد الاعتقال بهذه الطريقة، أم أن القضاء كان كفيلا وحده بتحديد الجزاء المناسب دون الحاجة إلى تحطيم سمعة الرجل علنا؟

ليس خافيا أن كثيرين يتمنون تدخل زملاء المحامي عبر قنوات المرافعة والتضامن المهني، استنادا إلى قاعدة مغربية قديمة تعتبر أن الوطن غفور رحيم، وأن السقوط في لحظة ضعف لا يلغي كل ما يمكن أن يكون الإنسان قد قدمه خلال مساره المهني. ولعل أكثر ما يبعث على التفكير أن القضية تجاوزت شخص المحامي لتطرح سؤالا أعمق عن مدى احترام الضمانات الدستورية للمحاكمة العادلة، ومدى قدرة الدولة على أن توازن بين ضرورة الردع وبين واجب حماية الكرامة الإنسانية حتى في أحلك اللحظات.

من الواضح أن الأيام المقبلة ستكون حبلى بالمفاجآت، سواء على مستوى مسار المحاكمة أو على مستوى التفاعلات المهنية والإعلامية المحيطة بها. غير أن الثابت في كل هذا أن صورة رجال القانون أمام المجتمع المغربي ستتأثر، مرة أخرى، برعونة فردية من جهة، وبمنهجية رسمية لم تحسن تقدير وقع الصورة حين تطغى على النصوص.

 تذكير: الصورة تعبيرية ولا تمت بصلة للشخص المعني بالقضية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.