
ضربة قلم
في مجتمعنا المغربي، تتسع المسافة بين القمة والقاع بشكل فاضح، حيث يعيش قلة في رفاهية لا حدود لها، بينما يكافح الملايين من أجل لقمة العيش. لكن هذه الفجوة لم تنشأ بالصدفة، بل هي نتيجة لنظام اقتصادي وسياسي يوزع الثروة والفرص بشكل غير متكافئ، مما يجعل الأغنياء يزدادون غنى، بينما يغرق الفقراء أكثر في دوامة الحاجة.
النظام الاقتصادي القائم على الامتيازات والمحسوبية لا يترك مجالًا لتكافؤ الفرص. فبينما يتمتع الأثرياء بإعفاءات ضريبية، واحتكار للأسواق، وولوج سهل إلى رأس المال، يجد الفقراء أنفسهم محاصرين بضرائب مرتفعة، وخدمات أساسية مكلفة، وأجور لا تواكب غلاء المعيشة.
أما سياسات الخصخصة، فهي تزيد الطين بلة، حيث تتحول الخدمات الصحية والتعليمية إلى سلع باهظة الثمن لا يقدر عليها سوى الميسورون، بينما يبقى الفقراء عالقين في منظومات مهترئة لا تقدم لهم سوى الحد الأدنى من الجودة، إن وجدت.
وفي سوق العمل، تتلاشى فرص الصعود الاجتماعي بسبب الفجوة التعليمية، واستغلال اليد العاملة، وضعف الحماية القانونية للطبقات الهشة. وفي الوقت ذاته، تتضخم ثروات قلة من رجال الأعمال والمستثمرين الذين يستفيدون من أنظمة تحمي مصالحهم على حساب الأغلبية.
هذه السياسات لا تؤدي فقط إلى توسيع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، بل تخلق بيئة من عدم الاستقرار الاجتماعي، حيث يصبح التفاوت الطبقي قنبلة موقوتة تهدد تماسك المجتمعات. فكيف يمكن عكس هذا المسار؟ وهل هناك سبيل لكبح هذا النظام الذي يجعل الأثرياء أكثر غنى والفقراء أكثر فقرًا؟
الهوة بين الأغنياء والفقراء ليست مجرد نتيجة طبيعية للاقتصاد، بل غالبًا ما تكون نتاجًا لسياسات ونهج معين يُكرّس التفاوت بدلًا من تقليصه. يمكن تلخيص بعض هذه السياسات في النقاط التالية:
- الضرائب غير العادلة
- عندما تكون الضرائب على الدخل منخفضة للأثرياء أو تعفى رؤوس الأموال الكبرى من الضرائب، بينما تثقل كاهل الطبقات المتوسطة والفقيرة، فإن ذلك يعزز التفاوت الاقتصادي.
- إعفاء الشركات الكبرى من الضرائب أو منحها امتيازات خاصة يزيد من تركّز الثروة في يد القلة.
- خصخصة الخدمات الأساسية
- عندما تتحول الخدمات الأساسية مثل الصحة، التعليم، والنقل إلى قطاعات خاصة، يصبح الوصول إليها مكلفًا للفئات الفقيرة، مما يحرمهم من الفرص المتساوية.
- الجامعات والمدارس الخاصة تخلق فجوة معرفية بين الفقراء والأغنياء، مما يؤثر على فرص العمل والتنمية الاجتماعية.
- اقتصاد الريع والمحسوبية
- عندما تكون الامتيازات الاقتصادية مبنية على العلاقات والنفوذ والميز العنصري الداخلين، بدلًا من الكفاءة والمنافسة العادلة، يستفيد الأثرياء ويزداد الفقراء فقرًا.
- انتشار اقتصاد الريع يجعل الثروة تتكدس في يد قلة تستفيد من الدولة بدلًا من الاستثمار والإنتاج الحقيقي.
- تآكل الطبقة الوسطى
- في المجتمعات التي تشهد غلاء المعيشة دون زيادة الأجور بشكل متناسب، تتراجع الطبقة الوسطى وتنحدر نحو الفقر، مما يوسع الفجوة بين الطبقات.
- تدهور قيمة العملة والسياسات النقدية غير المدروسة تفاقم الوضع.
- سياسات العمل غير المنصفة
- الحد الأدنى للأجور الذي لا يواكب التضخم يجعل الطبقة العاملة غير قادرة على تحسين وضعها الاقتصادي.
- ضعف النقابات العمالية وتشديد الخناق على حقوق العمال يسمح لأرباب العمل بتكديس الأرباح دون تحسين ظروف العمال.
- الاستثمار في المشاريع الكبرى على حساب القطاعات الاجتماعية
- التركيز على مشاريع البنية التحتية الضخمة التي تفيد الشركات الكبرى والمستثمرين الأجانب أكثر من المواطنين العاديين يؤدي إلى تركيز الثروة في القمة.
- إهمال الاستثمار في القطاعات التي تخلق فرص عمل واسعة مثل الزراعة والصناعة يؤدي إلى تزايد معدلات البطالة والفقر.
- التحكم في الأسواق والمضاربة
- عندما تكون الأسواق تحت سيطرة احتكارات قليلة، فإن الأسعار ترتفع دون أن تكون هناك بدائل للمستهلكين.
- المضاربة في العقارات والأراضي تجعل أسعار السكن تتجاوز قدرة الطبقات الفقيرة والمتوسطة.
- التعليم غير المتكافئ
- ضعف التعليم الحكومي مقابل التعليم الخاص الموجه للنخب يزيد من فرص الأغنياء في الحصول على وظائف عالية الدخل، بينما يبقى الفقراء في وظائف متدنية الأجر.
- المناهج الدراسية التي لا تركز على المهارات العملية تعزز الفجوة بين أصحاب الخبرة الحقيقية والمحرومين من التعليم الجيد.
في النهاية، الهوة بين الأغنياء والفقراء ليست مجرد نتيجة عشوائية، بل هي انعكاس لنظام اقتصادي وسياسي مختل يحتاج إلى إصلاحات جوهرية لتحقيق التوازن والعدالة الاجتماعية.