هيئة محكمة مراكش تُفعّل القانون ضد التهجم داخل الجلسة وتدين متهماً بـ 8 أشهر نافذة

ضربة قلم
في مشهد يعكس صرامة القضاء في حماية هيبته وحرمة الجلسات القضائية، لم تتردد هيئة الحكم بالغرفة الجنحية التلبسية بابتدائية مراكش، صباح الأمس، في تفعيل مقتضيات القانون المتعلق بجرائم الجلسات، لتصدر حكما زجريا ضد متهم لم يحترم حرمة المحكمة، متجاوزًا حدود اللياقة والاحترام الواجبين لهيئة الحكم.
المتهم، الذي تم استقدامه من سجن الأوداية، حيث يقضي عقوبة حبسية سابقة على خلفية إدانته بتهمة الاتجار في المخدرات، كان قد أحيل على المحكمة في إطار ملف ثانٍ مرتبط بنفس التهمة، بعد أن ورد اسمه في مذكرة استنادية ضمن مسار تحريات أمنية وقضائية موسعة.
غير أن ما كان ينبغي أن يكون لحظة دفاع قانوني جاد، تحولت إلى لحظة شطط لفظي وعدوانية غير مبررة. ففي سلوك يفتقر إلى المسؤولية والانضباط، شرع المتهم في توجيه كلمات مسيئة وأحكام قاسية في حق هيئة المحكمة، ضاربا بعرض الحائط مبدأ الاحترام الواجب للمؤسسة القضائية، ومتجاهلاً أن منصة القضاء ليست مجالا لتصفية الأحقاد أو التعبير عن الغضب، بل فضاء يحتكم فيه الجميع إلى سلطة القانون.
تصرف المتهم لم يمر دون تبعات. فوفقًا لمقتضيات قانون المسطرة الجنائية، ولا سيما المواد التي تهم جرائم الجلسات، اعتبرت الهيئة القضائية أن ما صدر عنه يمثل إخلالاً سافراً بوقار الجلسة، ومسًّا خطيرًا باستقلال القضاء. فقررت، دون تردد، تفعيل ما يخوّله لها القانون في مثل هذه الحالات، وأصدرت في حقه حكما بالحبس النافذ لمدة ثمانية أشهر، تضاف إلى عقوبته الأصلية.
هذا القرار القضائي ليس مجرد حكم إضافي في مسار جنائي عادي، بل هو رسالة واضحة تؤكد أن العدالة المغربية، وعلى الرغم من كل التحديات، لن تتهاون في حماية رمزية القضاء واستقلاله. فالهيئات القضائية ليست فقط آليات للفصل في النزاعات، بل هي أيضًا مؤسسات ذات رمزية عالية، تستمد قوتها من احترام المتقاضين لها، كما تستمد شرعيتها من تمسكها بمبادئ الإنصاف والعدل والاحترام المتبادل.
كما يعيد هذا الحادث إلى الواجهة النقاش حول ضرورة تعزيز ثقافة الوعي القانوني، خاصة في أوساط نزلاء المؤسسات السجنية والمتهمين الذين يُحالون بشكل متكرر على القضاء، إذ يبدو أن بعضهم لا يفرق بعد بين حقه في الدفاع المشروع عن النفس، وبين التهجم غير المبرر على مؤسسات الدولة.
ومن جانب آخر، يُبرز هذا الحدث جانبًا آخر من صرامة القضاء المغربي في التعامل مع ما يُعرف بـ “جرائم الجلسات”، وهي أفعال قد يستهين بها البعض، لكنها في الواقع تمثل انتهاكًا مباشرًا لهيبة العدالة. ويتضح من خلال هذه الواقعة أن هيئة المحكمة بمراكش حرصت على إعطاء درس قانوني رادع، مفاده أن الحق في المحاكمة العادلة لا يمكن أن يكون على حساب السلوك المسؤول والالتزام بضوابط المحاكمة.
إن هذه الواقعة، رغم بساطتها الظاهرية، تكشف عن عمق التحديات التي تواجهها العدالة في المغرب، ليس فقط في التصدي للجريمة بمختلف أشكالها، بل أيضًا في فرض الاحترام والانضباط داخل قاعات المحاكم. ومثل هذه الأحكام، وإن بدت صارمة، تظل ضرورية في بيئة قانونية تسعى إلى تكريس سلطة القضاء كضامن للحقوق ورافع لراية القانون فوق كل اعتبارات شخصية أو ردود أفعال انفعالية.
وفي الأخير، لعل الرسالة الأبلغ التي تُستقى من هذه الجلسة، هي أن القضاء لا يُرهب، ولا يُهان، ولا يُساوم على كرامته. فهو ليس في مواجهة مع الأفراد، بل في خدمة العدالة التي تحفظ كرامة الجميع، بمن فيهم المتهمون أنفسهم، ما داموا يلتزمون بقواعد المنظومة القضائية ويحتكمون للقانون بدل الانفعال والشتم والانزلاق في مستنقع الفوضى.
تنبيه: الصورة تعبيرية ولا علاقة لها بالواقعة.