رياضة

وادو والزاكي: عندما تصنع التفاصيل الفارق بين الأبطال

ضربة قلم

كرة القدم ليست مجرد لعبة، إنها سيرة ومسيرة، والتاريخ لا يحفظ فقط الأهداف والبطولات، بل يسجل المواقف، والأخلاق، والطريقة التي يتعامل بها اللاعبون والمدربون مع الأندية والجماهير. في هذا السياق، نجد نفسنا أمام شخصيتين مغربيتين بارزتين في عالم المستديرة: عبد السلام وادو، المدافع السابق للمنتخب الوطني، وبادو الزاكي، الحارس والمدرب الأسطوري. كلاهما خدم الكرة المغربية، لكن مسيرتهما بعد الاعتزال حملت تباينات كبيرة تجعلنا نتوقف للتأمل.

وادو: الحق القانوني مقابل الشعبية

عبد السلام وادو لم يكن لاعبًا عاديا، فهو من المدافعين الذين تركوا بصمتهم في المنتخب الوطني، كما حمل قميص أندية أوروبية محترمة. لكن بعد اعتزاله، دخل في صراع مالي مع ناديه السابق مولودية وجدة، ما جعل اسمه يتردد في ساحات المحاكم أكثر مما يتردد في ملاعب كرة القدم. وادو طالب بحقوقه القانونية، وحصل على حكم يجبر النادي على أداء 900 مليون سنتيم، لكنه بالمقابل فقد مكانته في قلوب جماهير الفريق، التي اعتبرت أن موقفه لم يكن “إنسانيا” تجاه ناد يعاني ماليًا.

هل كان من حقه المطالبة بمستحقاته؟ بالتأكيد. لكن في كرة القدم، هناك دائما بُعد آخر لا تحكمه القوانين، بل تحكمه العواطف. الجمهور لا يحبذ رؤية لاعبه السابق في مواجهة قانونية مع فريقه، خصوصًا إذا كان النادي يمر بمرحلة صعبة. وهنا يظهر الفرق بين من يفضل حماية مصالحه الشخصية، ومن يضحي بشيء من حقوقه ليبقى محبوبًا لدى الجماهير.

الزاكي: بين الاحترافية والاحترام

على الجانب الآخر، لدينا بادو الزاكي، الرجل الذي لا يحتاج إلى تعريف. عندما نتحدث عن شخص ترك بصمة في تاريخ الكرة المغربية، فاسمه يتصدر القائمة. كحارس مرمى، قاد المنتخب إلى نهائي كأس إفريقيا 2004، وكمدرب، قدم أداءً جعل الجماهير المغربية تلتف حوله. لكن أهم ما يميز الزاكي ليس فقط مسيرته الرياضية، بل طريقته في التعامل مع كل المواقف.

عندما عاد إلى وجدة كمدرب للنيجر، وقف في المنطقة التقنية ببرود، لم يحتفل عند تسجيل فريقه، لم يستفز الجماهير، بل حافظ على الاحترام. هذه التفاصيل الصغيرة هي التي تصنع الفارق بين من يحافظ على أسطورته حتى بعد الاعتزال، ومن يضعها على المحك. لا عجب أن مايوركا الإسبانية قررت تكريمه بتمثال في قلب المدينة، فهو لم يكن مجرد لاعب، بل شخصية احترمها الجميع داخل الملعب وخارجه.

الفرق بين رجلين

في نهاية المطاف، الفرق بين وادو والزاكي ليس في عدد المباريات التي لعبها كل منهما، ولا في الأندية التي دافعا عن ألوانها، بل في القرارات التي اتخذاها بعد الاعتزال. وادو طالب بحقه المشروع، لكنه فقد الودّ الجماهيري، بينما الزاكي ظل وفيًا لصورته الأيقونية، محافظًا على الاحترام حتى في لحظات الانتصار.

وهنا يطرح السؤال نفسه: أيهما أفضل؟ اللاعب الذي يطالب بحقوقه دون اعتبار للعاطفة؟ أم اللاعب الذي يوازن بين الحق والواجب حفاظًا على احترام الناس؟ الإجابة تبقى عند الجمهور، فهو من يقرر من يستحق أن يكون أسطورة حقيقية، ومن يبقى مجرد اسم في أرشيف الكرة المغربية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.