مجتمع

وزير التربية… بالنية والحرقة لا بالعربية!

ضربة قلم

في مشهدٍ يصلح لدرسٍ في مادة «التربية على العبث»، خرج علينا وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، السيد محمد سعد برادة، ليعترف أمام نواب الأمة – بكل شجاعة نادرة – بأنه لا يُتقن العربية، لكن لا بأس، فـ«الحرقة» عنده تغني عن اللغة!

يا للعجب! وكأننا في مباراة لكرة القدم، لا في وزارة اسمها «التربية والتعليم». يبدو أن الحكاية لم تعد تهم الكفاءة بقدر ما تهم «النية» و«الحرقة»، وكأننا في موسم ديني لا في مؤسسة حكومية.

تصوروا معنا وزير تربية في دولة عربية، يعترف بأن العربية «ضعيفة شوية»، لكنه مطمئن لأن قلبه «كبير». طيب، وماذا عن لغة التلاميذ؟ عن المناهج؟ عن التواصل؟ عن الخطب الرسمية؟ عن الوثائق والمراسلات؟ ربما سيُكلف الذكاء الاصطناعي بالترجمة، ما دام هو نفسه اعترف أنه يعتمد عليه لتخطيط المدارس!

الوزير قالها بصدق: «كنت مدير مؤسسة صناعية فـ سيدي مومن، واليوم غير كبرت المسؤولية». ممتاز! يعني انتقلنا من صناعة البراغي إلى صناعة الأدمغة، ومن تسيير المعمل إلى تسيير مستقبل أمة. ما هذا التطور الصناعي الرهيب!

ثم أضاف الرجل، بعينين دامعتين من الإخلاص: «عندي المعطيات فـ 85%، وكنقلب على 15% الباقية». الله أكبر! كأننا أمام برنامج مسابقات: «ابحث عن الـ15% الضائعة واربح مدرسة جديدة!»
يا سيدي الوزير، تلك الـ15% ليست أرقاماً، بل أرواح تلاميذ في مناطق منسية، ومدارس منسية أكثر، وأساتذة يدرسون في أقسام بدون نوافذ.

الوزير أكد أن «النقابات كانت راضية»، وهذه وحدها معجزة تستحق جائزة نوبل في التهدئة الاجتماعية. لأن النقابات، كما نعلم، لا ترضى عادةً إلا إذا حصلت على شيء بين السطور.

أما قوله إن «النظام التربوي يفتقر للتقييم»، فصدق فيه من حيث لا يدري؛ لأن أول تقييم كان يجب أن يبدأ من رأس المنظومة نفسه. ما دام الوزير يعترف بضعف لغته، فكيف سيقيّم أداء المدرسين؟ هل بالفرنسية؟ أم بلغة الأرقام التي لا تخطئ؟

ورغم كل هذا، ختم الرجل خطبته بعبارة تصلح لأن تُكتب على جدار الوزارة بخط الثقة:
«أنا الباب ديالي مفتوح».
أكيد مفتوح… فالتلاميذ خرجوا، والمدرسون غاضبون، والنظام نفسه يبحث عن مخرج!

وهكذا، يا سادة، أصبح عندنا وزير يخطط بالتطبيقات، يتواصل بالعواطف، ويصلح التعليم بـ«النية الحسنة».
ربما علينا من الآن أن نُبدّل شعار الوزارة من «مدرسة الإنصاف والجودة» إلى «مدرسة النية والحرقة»… ما دامت اللغة، في النهاية، مجرد «تفصيل صغير» لا يُعيق الطموحات الكبرى!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.