دفاتر قضائية

ولاد صغار وجرائم كبار.. شنو واقع فالمحمدية؟

ضربة قلم

شهدت منطقة زناتة بالمحمدية حدثاً مؤسفاً سلط الضوء مجدداً على ظاهرة الشغب والسلوك المنحرف وسط بعض فئات المجتمع، خاصة في صفوف القاصرين.
ففي مقطع مصور انتشر كالنار في الهشيم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وثقت مشاهد صادمة لشجار عنيف بين مجموعة من الأشخاص كانوا على متن إحدى الحافلات، بينهم قاصرون. هذا الشجار لم يتوقف داخل الحافلة بل تطور بشكل خطير إلى تراشق بالحجارة بعد نزولهم، مخلفين أضراراً مادية جسيمة تمثلت في تهشيم ثلاث نوافذ من الحافلة.

تحليل الحدث

هذه الواقعة ليست مجرد حادث عرضي أو معزول، بل تعكس مجموعة من الإشكالات العميقة المرتبطة بالتحولات الاجتماعية والتربوية والثقافية التي تعرفها بعض الفئات، وخاصة الشباب.
أول ملاحظة لافتة أن من بين المشاركين في هذا السلوك المنحرف قاصرون، أي فئة عمرية يُفترض أن تكون ما تزال في طور التنشئة والتأطير الاجتماعي والتربوي.

ما وقع في زناتة يكشف عن:

  • انفلات سلوكي خطير: تجلى في انعدام أي احترام للنظام العام أو للممتلكات العامة.
  • غياب الوازع الأخلاقي: حيث لم يتردد هؤلاء الأشخاص في تخريب حافلة عمومية، متسببين في خسائر مادية، وربما كانوا سيعرضون حياة ركاب آخرين للخطر لولا تدخل السلطات.
  • انتشار ثقافة العنف كرد فعل: إذ أصبح البعض يعتبر أن اللجوء للعنف وسيلة مشروعة لحل الخلافات أو التعبير عن الغضب.

دور السلطات

تدخل مصالح الدرك الملكي بسرعة ونجاعة أفضى إلى توقيف ثلاثة أشخاص، من ضمنهم قاصرون، ووضعهم تحت تدابير الحراسة النظرية بإشراف النيابة العامة.
هذا التدخل لا يهدف فقط إلى تطبيق القانون، بل يبعث أيضاً برسالة حازمة لكل من تسول له نفسه المساس بالنظام العام أو الإضرار بالممتلكات العامة والخاصة.

الجوانب القانونية

وفق القانون المغربي، فإن أعمال الشغب وتخريب الممتلكات العامة تُعدّ جرائم خطيرة قد تترتب عنها عقوبات سالبة للحرية، خصوصاً عندما يقترن الفعل الإجرامي بالعنف أو استعمال أسلحة (ولو كانت الحجارة).
أما في حالة القاصرين، فالقانون ينص على تدابير خاصة تهدف إلى الإصلاح وإعادة التأهيل مع مراعاة مصلحة الحدث الفضلى، لكن دون التفريط في مقتضيات الردع.

الأبعاد الاجتماعية والتربوية

لا يمكن إغفال الجوانب الاجتماعية في تحليل هذه الظواهر:

  • تفكك الروابط الأسرية: العديد من القاصرين يعانون من غياب التوجيه الأسري أو يعيشون في أوساط اجتماعية هشة.
  • الفراغ التربوي: نتيجة قلة الأنشطة الرياضية والثقافية الجذابة التي يمكن أن تستوعب طاقات الشباب وتوجهها إيجابياً.
  • تأثير المحيط ورفاق السوء: حيث يُدفع بعض القاصرين نحو سلوكيات منحرفة تحت ضغط المجموعات أو لتأكيد الذات بطريقة خاطئة.
  • الإعلام الرقمي: الذي أصبح يروج أحياناً، عن قصد أو عن غير قصد، لثقافة العنف كوسيلة للظهور وتحقيق الشهرة السريعة.

الحلول المقترحة

للتصدي لمثل هذه الظواهر، لا يكفي الحل الأمني فقط، بل يجب أن يصاحبه:

  • إصلاح تربوي حقيقي: من خلال تعزيز التربية على المواطنة، نشر قيم التسامح واحترام الآخر.
  • توفير فضاءات للترفيه والتعبير: كالنوادي الرياضية والثقافية المجانية أو الرمزية التكلفة.
  • تحسين الاندماج الاجتماعي: عبر برامج لدعم الأسر الهشة وتمكين الشباب من فرص تكوين وتأهيل مهني.
  • سنّ حملات تحسيسية دورية: تستهدف التلاميذ والشباب عبر المدارس والمساجد ووسائل الإعلام.
  • الصرامة القانونية مع المربين: على اعتبار أن التربية مسؤولية جماعية، ويجب محاسبة كل من يخل بدوره التربوي تجاه القاصرين.

خاتمة

حادثة زناتة هي جرس إنذار إضافي يدعونا جميعاً -سلطات وأسر ومجتمع مدني- إلى التفكير الجدي والمسؤول في كيفية بناء جيل يحترم ذاته ومجتمعه.
فالمحافظة على الأمن والنظام العام ليست مهمة حصرية على الأجهزة الأمنية، بل هي مشروع مجتمعي متكامل يبدأ من الأسرة ويمر عبر المدرسة والمجتمع المدني، لينعكس في النهاية على سلوك الأفراد في الفضاء العام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.