
ضربة قلم
يبدو أن عبد اللطيف وهبي، وزير العدل، وجد نفسه وسط عاصفة جديدة مع القضاة، بل وأكثر من ذلك، مع جمعياتهم المهنية التي لا تتوقف عن “الاحتجاج القانوني” على تصريحاته. هذه المرة، نادي قضاة المغرب لم يكتفِ بالاستغراب، بل رفع منسوب الامتعاض إلى مستويات غير مسبوقة، بعد أن لاحظ أن وهبي لا يمل من السخرية على حساب السلطة القضائية، بل وأصبح الأمر عنده أشبه “بجلسة محامين” يسود فيها التهكم و”الترافع الانفرادي” عوض لغة المؤسسات.
القضاة ليسوا منفذين!
وهبي، المحامي ووزير العدل الحالي، يبدو أنه لم يستوعب بعد أن القضاة لا ينفذون، بل يطبقون القانون. وهذا ليس رأيًا شخصيًا لنادي القضاة، بل قاعدة دستورية صلبة، نص عليها الفصل 110 من الدستور، الذي يبدو أن الوزير بحاجة إلى إعادة الاطلاع عليه، أو ربما يحتاج إلى محامٍ آخر يشرح له الأمر! لأن الحديث عن القضاة وكأنهم مجرد موظفين يتلقون الأوامر لا يعكس سوى “اشتباك فكري” مع مبادئ دولة الحق والقانون.
استقلال القضاء: ليس هبة حكومية
وهبي، وكعادته، اختار خطاب “الإحسان السياسي”، حين تحدث وكأنه يمنح القضاة استقلالهم كعطية منه، قائلًا: “هاد القضاة هادوا كايغوتو على الاستقلالية، كانعطيوها ليهم وكايقولك أجيو جلسوا معنا”. حسنًا، من الواضح أن وهبي لم يدرك بعد أن استقلال القضاء ليس هدية رأس السنة، بل خيار ملكي سامٍ، وحق ديمقراطي عبر عنه المغاربة في دستور 2011. الحديث بهذه الطريقة عن السلطة القضائية يوحي وكأن وزارة العدل تمنح الاستقلالية متى أرادت وتسحبها متى شاءت، وكأننا أمام “صفقة تفاوضية” وليست مبدأً دستورياً.
جمعيات القضاة: ديكور أم شركاء؟
جمعيات القضاة ليست “لجانًا استشارية” يتم اللجوء إليها عند الحاجة، بل هي جزء أساسي من الديمقراطية التشاركية التي يضمنها الفصل 1 من الدستور، وهو أمر يبدو أن وهبي لم يهضمه بعد، حين قرر تجاوزهم تمامًا في إعداد مشروع قانون المسطرة الجنائية، وكأن إشراكهم في الأمر “ترف مؤسساتي”. هذا الإقصاء يثير تساؤلات جدية: هل يريد الوزير قضاءً مستقلاً أم مجرد ديكور مؤسساتي يمكن تجاوزه عند الحاجة؟
متى يتوقف وهبي عن استفزاز القضاء؟
المشكلة الحقيقية ليست فقط في مضمون تصريحات وهبي، بل في الأسلوب الذي يدير به العلاقة مع السلطة القضائية. وزير العدل، الذي كان محاميًا، يدرك تمامًا معنى هيبة القضاء، لكنه يبدو مصممًا على تذكير القضاة بأنهم ليسوا سوى طرف في معادلة “تنفيذ الأوامر”، وهو أمر لا يليق برجل قانون، بل يجعلنا نتساءل: هل نحن أمام وزير عدل أم أمام محامٍ يخوض مرافعته الأخيرة ضد القضاة؟
في النهاية، وهبي مطالب اليوم بأمر بسيط جدًا: إما أن يكون وزيرًا للعدل بكل ما تحمله الكلمة من معنى، يحترم استقلال القضاء، ويُشرك القضاة في صناعة القرارات، وإما أن يستمر في “الترافع” ضدهم حتى يجد نفسه وحيدًا في قاعة محكمة اسمها “الرأي العام”.