سياسة

يهود يرفعون صوت الضمير: احتجاجات تفضح إسرائيل وصمت القبور في العواصم العربية

ضربة قلم

في زمنٍ تتقلص فيه رقعة الشرف في السياسة الدولية، ويصبح الحياد جبناً، والصمت تواطؤاً، يخرج علينا مشهد مغاير تماماً من قلب العواصم الغربية لا من الشرق “العريق”: يهود يرفعون شعارات رافضة لسياسات إسرائيل، يهتفون باسم غزة، ويتهمون الحكومة الإسرائيلية بـالإبادة، ويجلسون على قارعة الطريق مقيدين بسلاسلهم كمن يقول للعالم: لسنا خونة للضمير الإنساني!

في المقابل، تُخيم على العواصم العربية حالة من الخرس الاستراتيجي، أشبه بموكب جنائزي يسير على رؤوس الأصابع. لا احتجاجات رسمية، لا شجب، لا تنديد، وكأن شيئاً لم يكن. بل الأسوأ، أن الكثير من الأنظمة تتفنن في تبرير “الحياد”، بينما تسير بعض القنوات الرسمية في اتجاه معاكس تماماً، يصف المقاوم بالإرهابي، والمحتج بالعميل.

احتجاجات يهودية… ولكن باسم العدالة

من نيويورك إلى باريس، ومن لندن إلى تورنتو، وقف المئات من اليهود أمام مقارّ رسمية، وداخل الجامعات، بل وأمام سفارات إسرائيل نفسها، رافعين شعارات مثل:

  • “ليس باسمنا”
  • “أوقفوا تزويد إسرائيل بالسلاح”
  • “الاحتلال ليس يهودية، بل ظلمٌ مدجج بالدبابات”

حركات كـ Jewish Voice for Peace و IfNotNow وUnXeptable باتت عناوين يومية للاحتجاجات المناهضة للاحتلال، حيث يقف شباب يهودي، بعضهم أحفاد ناجين من المحرقة، ليقولوا للعالم: “السكوت جريمة، ونحن لن نكون شركاء في هذه المذبحة الجماعية التي تُنفذ باسمنا”.

إحدى الناشطات من JVP قالت بوضوح في مقابلة تلفزيونية:

“لسنا خونة… من يخون هم أولئك الذين يرون الظلم ويسكتون. نحن نحتج لأن إنسانيتنا أكبر من عنصرية حكومتنا”.

وفي الضفة الأخرى… عرب يدفنون رؤوسهم في الرمال

وفي الجهة الأخرى من الجدار، تظهر المفارقة المريرة: أنظمة عربية تراقب بصمت، وبعضها يُضيّق على كل من تسوّل له نفسه تنظيم وقفة تضامنية أو حتى كتابة تدوينة فيها كلمة “غزة”. تُقمع الوقفات السلمية، يُعتقل الصحفيون، وتُحجب القنوات التي تنقل صوت المقاومة، بينما تُفتح المطارات لاستقبال وزراء الاحتلال وتوقيع اتفاقيات التطبيع.

كيف يُعقل أن يهوداً في قلب الولايات المتحدة يملؤون الشوارع رفضاً للعدوان، بينما لا نكاد نسمع صوتاً رسمياً واحداً في أكثر من عشرين عاصمة عربية؟

بل إن البعض ذهب إلى شيطنة المحتجين اليهود أنفسهم، واتهامهم بخدمة “أجندات مشبوهة”، وكأنّ الدفاع عن الحياة البشرية صار تهمة.

السلطة الفلسطينية… أشباح من ورق؟

وفي هذا المشهد المظلم، يطفو سؤال غريب ولكنه مُلحّ:
أين هو محمود عباس؟
هل ما يزال في فلسطين فعلاً؟ أم أنه قرر قضاء ما تبقى من عمره بين أروقة الصمت في بريطانيا حيث يقيم ابناه؟
هل ما يزال يحمل لقب “الرئيس” أم أنه تحوّل إلى تمثال شمعي محفوظ في أحد الأدراج الخلفية لمنظمة التحرير؟
وهل من الطبيعي أن يكون زعيم شعب محاصر أكثر غياباً من الظل؟
حتى المتضامنون اليهود أنفسهم باتوا يملؤون الفراغ الذي تركه هذا الرجل الذي يبدو كأنه سلّم القضية كلها مقابل تقاعد مريح!

صرخة يهودية في وجه الاحتلال… ودرس للعرب

ما يحدث اليوم ليس مجرد احتجاجات يهودية ضد سياسة معينة، بل هو درس قاسٍ لكل من يعتقد أن “اليهود كتلة واحدة” أو أن “كل معارض لإسرائيل هو معادٍ للسامية”. هؤلاء المحتجون يثبتون أن الانتماء الديني لا يجب أن يكون مبرراً للصمت أمام الجريمة.

بل إنهم، في مواقفهم النبيلة، يحرجون ليس فقط المؤسسة الإسرائيلية بل أيضاً الضمير العربي النائم.
يضعون حكاماً ومسؤولين ومثقفين أمام مرآة فاضحة تقول لهم: هناك من يتحدث باسم الضمير، وأنتم ما زلتم تغرقون في حسابات الذل والتطبيع.

خاتمة

لقد أثبت اليهود المعارضون لإسرائيل أنهم ليسوا “خونة” كما يُتهمون، بل على العكس، هم حماة الضمير الإنساني في لحظة تاريخية خانعة. أما أولئك الذين يختبئون خلف الحياد والتواطؤ، في العواصم العربية المذهّبة، فهم من خانوا شعوبهم قبل أن يخونوا فلسطين.

ويبقى السؤال مفتوحاً: هل يُعقل أن يقف يهود من قلب نيويورك ضد المجازر في غزة، بينما يختبئ زعماء العرب خلف مكاتبهم المكيفة، يُديرون وجوههم عن الحقيقة؟

أم أن الضمير مات، وترك خلفه فقط جيلًا يتيه بين الهزيمة والتواطؤ… في انتظار احتجاج قادم، من حيث لا نتوقع؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.