يوم الحسم: نصف مليون مغربي في امتحان الباكالوريا والدولة في اختبار المصداقية

ضربة قلم
تستعد وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة للإعلان عن نتائج الدورة العادية للامتحان الوطني الموحد لنيل شهادة البكالوريا لسنة 2025، في موعد حاسم طال انتظاره من طرف أزيد من نصف مليون أسرة مغربية. غدًا، 14 يونيو، هو اليوم الذي سيُعلن فيه نجاح البعض وتعثر البعض الآخر، لكن الأهم أنه يمثل لحظة وطنية فارقة تختزل سنوات من الجهد، وتعيد طرح أسئلة جوهرية حول المدرسة المغربية، ومفهوم الاستحقاق، ومستقبل الأجيال.
الأرقام تتحدث: امتحان دولة بامتياز
البلاغ الرسمي للوزارة كشف أن عدد المترشحين هذا العام بلغ 495.395 مترشحة ومترشحًا، وهو رقم ضخم يعكس ليس فقط التوسع الأفقي في منظومة التعليم، بل أيضًا الأهمية الرمزية والاجتماعية التي ما تزال تحتفظ بها شهادة البكالوريا في المخيال الجمعي المغربي.
- 385.330 من هؤلاء هم تلاميذ متمدرسون في التعليم العمومي والخصوصي.
- 110.065 ترشحوا بشكل حر، أي خارج أسوار المدرسة، وهذا المعطى في حد ذاته يعكس تحولات مجتمعية يجب التوقف عندها.
- تجدر الإشارة إلى أن 11% فقط من مجموع المترشحين ينتمون إلى التعليم الخصوصي، ما يبرز استمرار هيمنة التعليم العمومي كمشتل رئيسي للبكالوريا المغربية.
وعلى مستوى التخصصات، توزعت نسب الترشيح كالتالي:
- 64% اختاروا الشعب العلمية والتقنية، وهو معطى يشي بتزايد الإقبال على التكوينات العلمية باعتبارها “جواز عبور” نحو سوق الشغل، وإن كان ذلك في بعض الأحيان ناتجًا عن ضغط اجتماعي لا عن ميول ذاتية.
- 35% في الشعب الأدبية والأصيلة، التي لا تزال محافظة على جاذبيتها في بعض الأوساط، خاصة في المدن الداخلية.
- 1% فقط في الشعب المهنية، وهو رقم صادم، يطرح تساؤلات حول جدية الدولة في تفعيل “البكالوريا المهنية” كحلقة وصل بين التعليم وسوق الشغل، كما ادّعت في السنوات الأخيرة.
الاستدراكية… آخر فرصة
أما الدورة الاستدراكية، فستُجرى أيام 3 و4 و5 و7 يوليوز 2025، مع الإعلان عن نتائجها في 12 يوليوز. وهذه الدورة ليست مجرد فرصة ثانية لتدارك الإخفاق، بل صارت تشكل طوق نجاة حقيقيًا للآلاف من التلاميذ، خاصة في ظل ضغوط نفسية واجتماعية تحيط بامتحان البكالوريا وكأنه “حكم حياة أو موت”.
الزيارة الرمزية للوزير… رسائل بين السطور
زيارة وزير التربية الوطنية، محمد سعد برادة، إلى مركز الامتحان بثانوية عبد الكريم الخطابي بالرباط، ليست مجرد جولة ميدانية عابرة. إنها رسالة سياسية وتربوية مفادها أن الوزارة تتابع عن كثب سير الامتحانات، وتسعى لبعث الطمأنينة في نفوس التلاميذ وأسرهم.
لكن هل تكفي الزيارات الوزارية الموسمية لضمان الشفافية وتكافؤ الفرص؟ وهل الإصلاح الحقيقي للمدرسة العمومية يُقاس بعدد “الزيارات” أم بمدى تجاوب السياسات العمومية مع عمق أزمة التعليم في المغرب؟
الرهان الأكبر: مصداقية شهادة البكالوريا
في كلمته، شدد الوزير على أهمية تحصين مصداقية شهادة البكالوريا، في زمن أصبحت فيه المعلومة متاحة بضغطة زر، والغش الرقمي أكثر تطورًا من أساليب المراقبة التقليدية. وهنا يبرز الرهان الحقيقي: ليس فقط في إنجاح الامتحانات بل في ضمان عدالتها، وصيانة مبدأ الاستحقاق، حتى لا تتحول الشهادة إلى مجرد ورقة لا تعكس الكفاءة الحقيقية لحاملها.
في الختام: البكالوريا مرآة مجتمع
شهادة البكالوريا ليست فقط نهاية مرحلة تعليمية، بل مرآة تعكس حال المجتمع: مدى عدالته، مستوى تكافؤ الفرص فيه، قدرته على تحفيز التفوق، وجرأته على مواجهة أعطابه. وغدًا، حين تُنشر النتائج، سيسود الفرح بعض البيوت، ويخيّم الصمت على أخرى، لكن ما يجب أن يسود حقًا هو اليقين بأن التعليم هو المعركة الحقيقية التي تُكسب فيها الدول رهاناتها الحضارية.
فهل نربحها؟ أم سنظل ننتظر نتائج الامتحان سنة بعد أخرى، دون أن نتجرأ على تصحيح الورقة الأصلية؟




