سياسةمجتمع

الانتخابات في بلادنا: تظاهر بالمشاركة، والعزوف هو الرد الصادق!

ضربة قلم

آه، الانتخابات! ذلك الحدث السحري الذي يُشهر فيه الجميع ولاءهم للأمة، ويتدفق فيه المواطنون إلى صناديق الاقتراع كما لو كانوا يتسابقون نحو المتاجر يوم التخفيضات الكبرى، وهم يحملون أملًا كبيرًا بأن “التغيير” الذي طالما تحدثت عنه الأحزاب سيأتي بأسرع من وعد فوزي لقجع ببطولة كرة القدم في كأس إفريقيا. لكن مع مرور السنوات، أصبح العزوف عن التصويت يبدو وكأنه ظاهرة طبيعية، مثل انقطاع الكهرباء في الأحياء الشعبية. لا تسألني لماذا! بل تساءل مع نفسك كيف تحولت الانتخابات من حدث منتظر إلى مأساة تجنبها الجميع، من الشاب الذي لا يكترث ومن العجوز الذي أصابه اليأس، إلى الموظف الذي أصبح “فاقدًا للثقة” في كل شيء إلا في نهاية الشهر!

لنبدأ من البداية، عندما بدأت الحكومات والأحزاب السياسية في توزيع خطبها عن ضرورة المشاركة في الانتخابات، وكأن الانتخابات هي مفتاح الجنة أو الخلاص. لكن لم يخطر على بال أحدهم أن هذه الدعوات تفتقر إلى الأفعال الحقيقية. جميعهم كانوا يرفعون شعار “المشاركة واجب وطني”، وفي نفس الوقت كانوا يتبارون في إهدار الأموال العامة في مشاريع وهمية، مثل شراء أصوات الناخبين وإطلاق الوعود التي لا تصل حتى إلى مرحلة التصريح الصحفي.

الأحزاب تتنافس في تنظيم مهرجانات انتخابية باهظة التكاليف، تُظهر جميع الشخصيات السياسية كأبطال خارقين، وكل منهم يعد الناس بمبلغ شهري أو بحياة أفضل، دون أن يوضح لهم كيف سيحقق هذا الوعود، هل من خلال حفلات غنائية أم من خلال طائرات مجهولة تأخذنا إلى دول غير معروفة؟ المواطن المسكين أصبح لا يرى في الانتخابات إلا مسرحًا هزليًا من الوعود التي لا تسمن ولا تغني من جوع. فعندما تذهب الانتخابات وتعود الأصوات إلى صاحبها، يكون كل شيء قد عاد إلى مكانه المعتاد: الوعود معطلة، الفقراء أفقرت جيوبهم أكثر، والسياسيون أصبحوا يلهثون وراء صفقات جديدة. ومن هنا جاء العزوف عن التصويت.

والغريب في الأمر أن الأحزاب، بدلاً من الاعتراف بالأسباب الحقيقية لهذا العزوف، يفضلون البقاء في منطقة الراحة التي لا يواجهون فيها الحقيقة. فبدلاً من الجلوس مع الناس والاستماع إليهم، يصرون على أن الناس “لا يدركون أهمية المشاركة”، وكأنهم يعتقدون أن الشعب سيصبح أكثر تحضرًا بمجرد أن يلتهم مزيدًا من الوعود الجافة.

والنتيجة؟ تراكم الإحباطات، وتواصل “اللامبالاة” عند الشباب الذين باتوا يرون أن المشاركة في الانتخابات مثل رمي ورقة في البحر. حتى أن البعض بدأ يروج لفكرة أن انتخاباتنا ليست أكثر من مسرحية يُكتب نصها مسبقًا، وتُعرض على الجمهور في أوقات محددة، وفي النهاية، لا أحد يهتم إن كان هناك جمهور أم لا.

متى كانت آخر مرة دخل فيها سياسي إلى حي شعبي ليقف بين الناس ويسألهم عن مشاكلهم بدلًا من أن يختار “صورًا فنية” له وهو يقف أمام حائط مزخرف أو يسوق وعوده للطبقات الثرية؟ الجواب معروف: السياسيون يبتعدون عن المواطن العادي في الوقت الذي يقتربون فيه أكثر من أصحاب الأموال، وكلما كان الفقير أقرب من صندوق الاقتراع، كلما كانت يده أبعد عن أوراق الانتخابات.

أما إذا تحدثنا عن وسائل الإعلام، فلا داعي للمقارنة، فهي غالبًا ما تكون جزءًا من اللعبة، تقوم بترتيب وتغطية الأجواء على حساب “حياة المواطن” الفقير الذي لا يعرف من هو مرشحه المفضل إلا من خلال الإعلانات المعلقة على جوانب الطريق. على مستوى آخر، هناك تلك الأحزاب التي تحاول إعادة تسويق نفسها بعد أن فقدت مصداقيتها، بل وأصبحت مجرد كائنات سياسية تبحث عن السلطة بأي ثمن. ومع كل حملة انتخابية، تزيد الفجوة بين المواطن والسياسي، وتزداد الهوة بين الشعارات المعلنة والواقع المؤلم. المواطن يمل من سماع الوعود التي لا تجد طريقها إلى التنفيذ، والأحزاب تظل متمسكة بنظامها المعطل الذي لا يخدم إلا مصالحها الشخصية.

النتيجة النهائية هي أن الناس قد تعبوا من مجرد المشاركة في عملية انتخابية يتم استخدامها لإعطاء شرعية لأنظمة لا تعني لهم شيئًا سوى مزيد من الجوع والبطالة والفقر. ولعل المفارقة الأشد بؤسًا هي أن العزوف عن التصويت أصبح هو الفعل الأكثر تعبيرًا عن الرفض الصامت، حيث يفضل المواطنون البقاء في بيوتهم في يوم الانتخابات بدلًا من الوقوف في طوابير طويلة لشخص قد لا يصلح حتى لتوزيع الحلويات في حفلة مدرسية.

إذا كانت هذه هي الحقيقة المرة التي يرفض الجميع مواجهتها، فهل سيتغير شيء؟ الإجابة مشكوك فيها، ولكن على الأقل يمكننا القول أن العزوف عن التصويت أصبح، في نظر الكثيرين، هو الوسيلة الوحيدة لإظهار الغضب الصامت ضد ما يحدث في هذه البلاد!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.