سياسة

36 ألف درهم للشهر وواخّا ما يحضرش: برلماني مغربي بدرجة سلطان!

ضربة قلم

موضوع أجور وامتيازات البرلمانيين المغاربة يضعنا أمام مفارقة صارخة، تطرح تساؤلات عميقة حول معنى التمثيلية الشعبية في بلد يعاني جزء كبير من ساكنته من الفقر والهشاشة.
وفيما يلي محاولة للتعمق في هذه الظاهرة، من خلال تحليل شمولي مقارن مع الوضع في بلدان نامية أخرى، وربط الامتيازات بالمردودية والمسؤولية.

برلماني مغربي… برتبة VIP

في بلد يُقدّر فيه الحد الأدنى للأجر بـ3110 درهم شهريًا، يتقاضى البرلماني المغربي:

  • تعويضًا شهريًا صافياً قدره 36,000 درهم.
  • تعويضًا إضافيًا بين 7,000 إلى 10,000 درهم لمن هم في مناصب داخلية.
  • 6400 درهم شهريًا للإيواء في الفنادق (ما يعادل كراء شقة “كلاس” في الرباط).
  • مجانية السفر بالدرجة الأولى على القطار والطائرة.
  • بطاقة وقود + سيارة فارهة + إقامة 5 نجوم خلال المهمات الرسمية.
  • تعويض يومي عن السفر الخارجي يصل إلى 2500 درهم.
  • محفظة جلدية فاخرة (رمزية ولكن تترجم العقليات التي تسير بها المؤسسة).

فإذا جمعنا كل هذا، فإن البرلماني المغربي قد يتجاوز دخله الشهري 60,000 درهم، دون احتساب الامتيازات العينية، والمفاجأة الكبرى؟ أن كثيرين منهم لا يحضرون الجلسات إلا للظهور أو التصويت بالتعليمات.

مقارنة مع دول نامية أخرى: أين نقف؟

ولأن المقارنات تفضح أكثر مما تشرح، دعونا نطير قليلاً خارج “الفندق البرلماني المغربي” وننظر كيف يعيش “النواب” في بلاد الناس…

في السويد، حيث الشفافية ليست شعاراً انتخابياً بل نمط حياة، لا يتقاضى النائب أكثر من 30 ألف درهم مغربي تقريباً، ويُخصم منها الضرائب بدقة جراحية، ويُمنع من امتلاك امتيازات خارج مهمته التشريعية. النواب هناك يركبون الدراجة أو الحافلات العمومية، ويقومون بمهامهم كموظفين عاديين في خدمة الشعب، لا كملوك في خدمة أنفسهم. هذا دون الحديث عن مستوى القدرة الشرائية والحد الأدنى من الاجور.

في كندا، النائب يُحاسب على حضوره بدقة، ولا تُصرف له تعويضات السكن إن كان يقطن قرب العاصمة. أما التذاكر، فليست درجة أولى، بل الاقتصادية مثل باقي عباد الله. وإن تغيب كثيراً؟ جلس في البيت دون راتب.

في كوريا الجنوبية، التي حولت الفقر إلى اقتصاد متطور، النواب لا يتلقون تعويضات خيالية، وتُفصل أجورهم من مهامهم التشريعية بمنتهى الشفافية، وكل شيء متاح للعموم على المواقع الرسمية، مشي فـ”دفاتر الغموض الإداري”.

في تونس الجارة، حيث الميزانية ضئيلة لكن الإرادة السياسية أكثر وضوحاً، لا يتجاوز راتب البرلماني ما يعادل 2500 درهم مغربي شهريًا، دون امتيازات النعاس في الفنادق المصنفة، ولا بطاقات وقود، ولا حتى “محفظة جلدية فاخرة” عند القسم!

أما في مغربنا العزيز، فالنائب المحترم يتقاضى 36 ألف درهم ثابتة، دون احتساب تعويضات المهام، السكن، التنقل، والمصاريف اليومية، ليصل المجموع إلى ما يتجاوز 60 ألف درهم شهريًا، في بلد ما يزال فيه المواطن البسيط يصارع من أجل قنينة زيت، وقسط مدرسي، وسرير في مستشفى.

نحن لا نطلب من نائبنا أن يركب الدراجة كزميله السويدي، ولا أن يطبخ العدس كما يفعل نائب كوري، فقط نرجو منه شيئًا واحدًا: أن يمثلنا لا أن يستثمر فينا.

إذن… ما الفرق؟

الفرق ليس فقط في الرقم، بل في:

  • آليات المراقبة.
  • شفافية الميزانية.
  • رُقي الأداء البرلماني.
  • ربط الأجر بالمردودية.
  • الضغط الشعبي والنقاش الإعلامي.

بينما في المغرب، نعيش مفارقة ممثلة في:

  • نائب لا يشارك في النقاشات.
  • لا يضع مقترحات قوانين.
  • لا يتواصل مع ناخبيه.
  • ويصوّت بتوجيه من زعيم الحزب أو “التيار النافذ”.

ومع ذلك، يحظى بتعويضات تفوق ما قد يحصل عليه أستاذ جامعي بدرجة دكتوراه بثلاث مرات.

من أين تؤدى هذه الملايين؟

من جيب المواطن طبعًا.
الميزانية المخصصة لمجلس النواب سنة 2024 بلغت 596 مليون درهم، منها:

  • 435 مليون للرواتب والتعويضات.
  • 142 مليون للمعدات واللوجستيك.
  • 20 مليون للاستثمار (نعم، فقط!).

نحن أمام مؤسسة “تشريعية” تُصرف عليها الملايين، في حين أن:

  • مدارس بأكملها تفتقر للماء.
  • مستشفيات لا تملك حتى أجهزة السكانير.
  • الجماعات الترابية لا تملك سيارات إسعاف، بينما نواب الأمة يتنقلون بالـSUV الفاخر.

أين الخطورة؟

الخطورة ليست فقط في الغلاء، بل في:

  1. غياب ربط الأجر بالمردودية.
  2. إمكانية دخول البرلمان عبر المال أو النفوذ أو تجارة مشبوهة (كالمخدرات).
  3. تحول البرلمان إلى ملاذ للإفلات من العقاب.
  4. قتل الأمل لدى الشباب في الديمقراطية التمثيلية.

هل نحتاج إلى برلمان؟

نعم، الديمقراطية التمثيلية تقتضي وجود برلمان.
لكننا نحتاج إلى:

  • برلمان بوجوه نزيهة وكفأة.
  • مردودية تُقاس لا تُفترض.
  • ميزانية تُناقش بشفافية.
  • ربط واضح بين الامتيازات والنتائج.
  • نظام تقييم دوري للنائب: ماذا قدّم؟ هل حضر؟ هل دافع عن دائرته؟

خلاصة القول

أن تكون نائبًا عن الشعب لا يعني أن تكون أغنى من الشعب.

التمثيلية شرف لا صفقة استثمارية.
ولن يُستعاد الأمل في المؤسسات إلا حين يتوقف التمثيل عن كونه شكليًا، ويتحول إلى مسؤولية ومحاسبة حقيقية.

هل ننتظر إصلاحًا من الداخل؟
ربما، لكن الضغط الشعبي، والإعلام الحر، والمجتمع المدني المستنير، هي المفاتيح لتقليص فجوة “النائب المترف” و”المواطن المهمّش”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.