المغرب: خطوة إلى الأمام ومليون إلى الوراء!

ضربة قلم
المغرب بلد التحولات السريعة، والانقلابات المفاجئة، والإصلاحات التي تأتي كما تذهب: بخطوة إلى الأمام ومليون إلى الوراء. فنحن أبطال العالم في ماراثون التأخر الطوعي، حيث كل تقدم يُقابَل بردة فعل رجعية تأخذنا إلى نقطة الصفر، بل وأحيانًا إلى ما قبلها!
خذ عندك مثال التعليم، كل مرة تصدح الشعارات البراقة عن إصلاح المدرسة العمومية، فنُساق إلى وهم “مدرسة الجودة”، ثم نكتشف أن الإصلاح يعني المزيد من الاكتظاظ، المزيد من الخصخصة، والمزيد من المناهج التي تجعل التلميذ يخرج من القسم وهو غير قادر على التمييز بين “حروف الجر” و”جرّ الحروف” في واقع يكتب مسوداته بممحاة!
أما عن الاقتصاد، فكلما أعلنّا عن رؤية استراتيجية جديدة، ظهرت الضرائب كالفِطر السام، وارتفعت الأسعار بمرونة تليق بأكروباتي السيرك. حديث عن دعم المقاولات؟ نعم، لكن بشرط أن يكون ملفك مرصعًا بتوصيات “الخواص” وبركات “أولياء النعمة”. أما الشاب الحالم بمشروع؟ فليُعد حساباته وليُغيِّر وجهته إلى محطة “الهجرة السرية”، حيث البحر أرحم من البيروقراطية.
وفي السياسة، حيث المفروض أن تكون هناك ديمقراطية تشاركية، نجد أنها أصبحت أشبه ببرنامج تلفزيوني رديء، نفس الوجوه، نفس الخطابات، نفس المسرحيات، ونفس الجمهور الذي يُطلب منه أن يصفق لنتائج لم تحدث أصلاً! يُقال إننا نقترب من دولة المؤسسات، لكن الحقيقة أننا نعيش داخل متحف للمؤسسات، حيث كل شيء معروض بإتقان دون أن يكون له وظيفة فعلية.
أما عن الحريات، فكلما خطونا خطوة نحو الأمام في مجال الحقوق، جاءتنا ألف قفزة للخلف بأخبار عن تقييد جديد، أو حملة تطهير رقمي تُذكرنا بأن حرية التعبير يجب أن تخضع للتأشيرة والمراقبة، وإلا فالعواقب معلومة. أما الصحافة، فحكايتها تشبه مسرحية ساخرة: من يتحدث بصوت مرتفع، يُطلَب منه أن يهمس، ومن يهمس، يُطلب منه أن يصمت، ومن يصمت، يُؤخَذ للتحقيق بتهمة التفكير بصوت داخلي!
أما البنية التحتية، فهناك دائمًا مشاريع عملاقة تُطلق في الهواء، لكنها تهبط في نهاية المطاف كطائرات ورقية. القطار فائق السرعة “البراق” مثال على ذلك، يطير بسرعة 320 كلم/س، بينما سيارات الإسعاف لا تزال تتوقف كل خمس دقائق لتبرد محركاتها!
إنها “النهضة المتعثرة”، تلك التي تجعلنا نظن للحظة أننا نمسك بالمستقبل، قبل أن نكتشف أننا في الحقيقة نحمل فواتير الماضي. وبينما تتقدم الأمم، يظل المغرب يمارس هوايته في الرقص على إيقاع متناقض: خطوة إلى الأمام… ومليون إلى الوراء!