مجتمعاقتصاد

73.7 مليون درهم من الأموال المختلسة تعود إلى خزينة الدولة.. والوكالة القضائية تُتقن فن التحصيل

ضربة قلم

في تقريرها السنوي لعام 2023، كشفت الوكالة القضائية للمملكة عن تفاصيل مالية دقيقة، قد تجعل البعض يتساءل: هل نحن بصدد وكالة قضائية أم مؤسسة استثمارية تتقن فن التحصيل؟

بدايةً، يبدو أن فاتورة أتعاب المحامين بلغت 5,33 مليون درهم، بمعدلات تجعل حتى أكثر المحامين زهداً يراجع قناعاته. فوفق التقرير، توزعت هذه النفقات بين 4,24 مليون درهم للملفات الجنائية، و846.905 دراهم لإفراغ المساكن الإدارية والوظيفية، و44.251 درهماً لملفات المساطر الحبية. مما قد يدفعنا للتساؤل: هل “الودّ” أصبح مكلفاً إلى هذا الحد؟

أما في ميدان التحكيم الدولي، حيث يلتقي القانون بالمال، فقد بلغت الفاتورة 12,53 مليون درهم، في تنسيق محكم بين مكاتب محاماة وطنية وأجنبية. ويبدو أن الوكالة لا تكتفي بتتبع الملفات، بل تضمن لمحاميها الوثائق اللازمة لجعل كل مرافعة “ناجعة” قدر الإمكان.

وعند الحديث عن التدخل الاستثنائي، أوضحت الوكالة أنها تستعين بالمحامين في القضايا التي تستلزم حضوراً دائماً أو إجراءات استثنائية، سواء داخل المغرب أو خارجه، خاصة في التحكيم التجاري الدولي والملفات الإدارية والجنائية، وكذلك قضايا استرجاع صوائر الدولة وإفراغ المساكن الوظيفية.

وبالإضافة إلى ذلك، وفي إطار جهودها لحماية المال العام، أعلنت الوكالة أنها قدمت مطالب مدنية في قضايا الجرائم المالية نيابة عن الدولة، وهو ما أثمر استصدار أحكام باسترجاع 73.7 مليون درهم خلال 2023. وهذا الرقم يعكس جانباً مشرقاً للقضاء المغربي، لكنه يفتح باب التساؤل حول حجم الأموال التي لم تتم استعادتها بعد، أو التي لم تصل إلى ردهات المحاكم أصلاً.

أما قضية إفراغ المساكن الوظيفية والإدارية، فهي تبدو أشبه بمسلسل درامي طويل الأمد، إذ أفاد التقرير بأن الوكالة تمكنت من استصدار 360 حكماً بالإفراغ، وتم تنفيذ 179 عملية بالفعل، فيما بلغ الأثر المالي لهذه الأحكام 3,41 مليون درهم. وبالرغم من هذه الأرقام، لا يزال بعض المحتلين متحصنين داخل هذه المساكن، ما يدفع إلى التساؤل: هل ستتحول بعض هذه القضايا إلى ملفات “تحكيم دولي” يوماً ما؟

وفي محاولة للحد من هذا النزيف القانوني، أطلقت الوكالة حملة تحسيسية بالتنسيق مع الإدارات الشريكة، وهو أسلوب دبلوماسي قد يكون أكثر فعالية من المواجهة القضائية المباشرة.

أما في ما يخص استرجاع الصوائر، فقد نجحت الوكالة في استعادة 3,17 مليون درهم أنفقتها الدولة على موظفيها المتضررين من الحوادث، وفق الفصلين 28 و32 من قوانين المعاشات. وبفضل هذه الفصول، تمتلك الوكالة سلطة الحلول محل الموظفين في المطالبة بتعويضات الحوادث، وكأنها “محامٍ عمومي” يلاحق شركات التأمين نيابة عن الدولة.

ختاماً، يبدو أن الوكالة القضائية للمملكة قد أتقنت فن الحسابات القانونية، حيث لا تترك درهماً إلا وتحصّله، ولا دعوى إلا وتتابعها بدقة. فهل يمكن القول إن العدالة ليست مجرد مسألة قانونية، بل أيضاً معادلة مالية متقنة؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.