دفاتر قضائية

“إسكوبار الصحراء” وفن النفي المبدع: “الله يقطع لحمي إن كنت مذنبًا!”

ضربة قلم

في عالم التراجيديا المغربية، حيث تمتزج الدراما بالكوميديا السوداء، تطل علينا محكمة الاستئناف بالدار البيضاء بمشهد جديد من مسرحية “أنا بريء يا سعادة القاضي”، بطولة عبد الرحيم بعيوي، شقيق الرئيس السابق لجهة الشرق عبد النبي بعيوي، والذي يتقن فن النفي حتى يكاد ينافس كبار الفلاسفة في تجريد الحقائق.

“أنا لا أعرف هذا الرجل!”

أمام الهيئة الموقرة، وقف عبد الرحيم بعيوي بكل ثقة، نافيًا معرفته بأي شيء وأي أحد، بل حتى معرفته بنفسه كادت تكون موضع شك! “لا أعرف المالي، ولا علاقة لي به شخصيًا”، قالها بعيوي بثقة تجعلنا نتساءل: هل فقد ذاكرته في ظروف غامضة، أم أن “النسيان الانتقائي” أصبح مهارة مطلوبة في عالم المال والأعمال؟

ولأن الإنكار وحده لا يكفي، قرر بعيوي إضفاء لمسة درامية على المشهد: “من يبيعون المخدرات يجب الحكم عليهم بالإعدام، وليس فقط عشر سنوات!”. يا سلام! رجل مبدئي يطالب بأقصى العقوبات على تجارة لم يكن له بها يد، ولو أن البعض قد يلاحظ أن الحماس في الدفاع عن البراءة أحيانًا يكون سلاحًا ذا حدين!

“حساباتي نظيفة مثل قميص يوسف!”

أما عن المبالغ المالية المشبوهة؟ فلا أثر لها في الحسابات البنكية! “واش دخلت فلوس الحشيش للشركة؟” سؤال فلسفي يطرحه المتهم وكأنه يريد أن يقلب الطاولة على المحققين: “إذا كانت هناك أموال غير شرعية، فلتظهر!”. حسنًا، هذه حجة لا يمكن إنكارها، فالجميع يعلم أن الأموال المشبوهة لا تُدوَّن في الدفاتر الرسمية ولا تُودَع في الحسابات البنكية باسميهما الصريح!

“الشاحنات: ثابتة منذ 2017!”

أما بخصوص الشاحنات الخمس التي يقال إنها تورطت في عمليات النقل المشبوهة، فقد قدم المتهم شهادة ميلادها الموثقة قائلًا: “الفرقة الوطنية عاينت أنها لم تتحرك منذ 2017”. إذن، يبدو أننا أمام “شاحنات ناسكة”، التزمت بالعزلة والتأمل في مكانها لأكثر من خمس سنوات، لا تبرحه إلا للصيانة الروحية.

ولأن التفاصيل الصغيرة تهم، فقد أكد بعيوي بكل فخر أن إحدى الشاحنات “إيطالية الصنع وليست صينية”، وكأن جريمة التهريب تتحدد بجنسية المركبة! ربما لو كانت الشاحنات ألمانية الصنع لكان الأمر مختلفًا تمامًا.

“الفلاحة: تجارة رابحة”

وحينما سُئل عن مصادر ثروته، لم يتردد في إبهار المحكمة بقوة الأرقام: “الفلاحة وحدها تدر علي 10 مليارات سنتيم، إضافة إلى 20 مليون درهم من تربية المواشي”. هذا، طبعًا، دون احتساب الدخل الناتج عن المقالع، والشركات، و”الأعمال الحرة”.

يا لهذا النجاح الاقتصادي المبهر! شخصيًا، أتساءل لماذا لا يتم الاستفادة من عبقرية بعيوي في وضع خطة اقتصادية لرفع المغرب إلى مصاف الدول العظمى، بدلًا من إضاعة الوقت في الاستماع إلى شهادته؟

“سأحج إلى مكة إن كنت مذنبًا!”

لكن اللحظة الأكثر تأثيرًا في الجلسة كانت حين قال: “هل إذا كنت أبيع الحشيش سأذهب إلى الحج لطلب الغفران؟”. ها نحن أمام درس جديد في الفقه القانوني، مفاده أن الأتقياء لا يرتكبون الجرائم! يا لها من استراتيجية دفاعية مذهلة: “بما أنني حججت، إذن لا يمكن أن أكون تاجر مخدرات!”. يبدو أن المنطق القانوني تطور ليشمل براهين إيمانية غير مسبوقة.

“كل شيء موثق!”

وفي النهاية، شدد بعيوي على أن كل ما لديه موثق، وأنه مستعد لتقديم الوثائق لمقارنتها مع ما لدى المحكمة. يا له من ثقة بالنفس! كأن لسان حاله يقول: “أيها السادة، حتى الكذب يحتاج إلى مستندات رسمية!”.

ختامًا: بين الضحك والدموع

بين نفي لا نهائي، وشاحنات ناسكة، وفلاحة تُدر المليارات، يبقى السؤال: هل هذه الجلسة محاكمة أم عرض كوميدي من إنتاج الواقع المغربي؟ وهل نحن أمام رجل بريء أم أمام عبقري استطاع تحويل المحكمة إلى منصة لإلقاء خطبة عصماء في فن الإنكار؟

سننتظر حتى 4 أبريل لمعرفة بقية الفصول، لكن حتى ذلك الحين، لا يسعنا إلا أن نرفع القبعة لهذا الأداء المتقن، ونتساءل: إذا كان كل هؤلاء المتهمين أبرياء، فمن إذن المسؤول عن تجارة المخدرات في هذا البلد؟ أم أن القضية مجرد سراب قانوني آخر؟!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

أنت تستخدم اضافة Adblocks يجب تعطيلها.