CNSS تحت الاختبار : تسريبات الرواتب تفتح نقاشًا حول حماية البيانات وتفاوت الأجور

ضربة قلم
ها قد خرجت الحكومة عن صمتها في قضية التسريبات التي طالت المعطيات المتعلقة بالرواتب الشهرية المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي، والمنسوبة إلى قاعدة بيانات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. التوضيحات الرسمية جاءت لتؤكد وقوع هجوم سيبراني طال الموقع، ولتشير إلى أن المعطيات المتداولة “شابتها مغالطات”، مع التأكيد على فتح تحقيق رسمي تحت إشراف الجهات القضائية المختصة.
لكن، قبل أن نناقش من سرّب، ومن فبرك، ومن تلاعب، لا مفر من طرح سؤال بسيط قد يبدو ساذجًا لكنه ملحّ: ما مدى هشاشة نظم الحماية الرقمية في مؤسساتنا الرسمية؟ وهل نحن بصدد معطيات يمكن أن تتسرب بسهولة هكذا من نظام يُفترض أنه مؤمن؟ وهل كان لا بدّ من هجوم سيبراني لنكتشف -صدفةً- واقعًا مألوفًا عن تفاوت الرواتب؟
البيانات، وإن تم التشكيك في دقتها، كشفت واقعًا يصعب التهرب منه: فجوات عميقة بين الأجور، وتفاوتات لا تليق بمفهوم العدالة الاجتماعية، ومناصب عليا بأجور فلكية لا يعرف المواطن العادي وظيفتها ولا مردودها على الحياة العامة. وهنا، بدل أن يُفتح نقاش وطني حول منظومة الأجور في القطاع العمومي، اختزل المشهد كله في سردية “الجهات المعادية” و”التشويش على إنجازات المملكة”، وكأن السؤال عن أجرة مسؤول معين أصبح فعلاً من أفعال تقويض الأمن القومي.
المشكلة لا تكمن فقط في التسريب، بل فيما كشفه من شعور جماعي بأن بعض الرواتب والتعويضات لا تخضع لا لمنطق الكفاءة ولا لميزان المسؤولية، بل لأعراف لا تُسائلها الشفافية. أما المواطن العادي، فهو مطالب بأن يتفهم، ويتفانى، ويؤدي واجباته، دون أن يطرح الكثير من الأسئلة.
ورغم محاولات التهدئة التي رافقت التصريحات الرسمية، يبقى الانطباع السائد أن ما تسرّب -ولو كان مشوّهًا- لا يختلف كثيرًا عن ما يتداوله الناس في الصالونات، وفي المقاهي، وفي طوابير الانتظار أمام شبابيك الضمان الاجتماعي. لأن الصورة العامة تقول شيئًا واحدًا: هناك من يربح أكثر مما يجب، وهناك من يربح أقل مما يستحق، ولا أحد يشرح لنا لماذا.
إذا كان كل من يسائل الفوارق الصارخة في الأجور هو “مُغرَّر به”، فربما نحتاج فعلاً لإعادة تعريف الوطنية. لأن الوطنية، ببساطة، هي أن نرفض أن يستمر الفارق بين من يصنع القرار، ومن يُطالَب يوميًا بتحمّل نتائجه، دون نقاش ولا مراجعة.
هل نحتاج إلى هاكر خارجي لنتحدث عن عدالة الأجور؟ أم أن الوقت قد حان لنفكر -بهدوء- في طبيعة منظومة تُطالبنا بالصبر، بينما البعض يجني الثمار تحت مظلة الصمت الإلكتروني؟